يؤكد «العقاد» تفوق الرجل على المرأة حتى في المجالات التى يُظَنّ أنها قاصرة على النساء كالغناء والرثاء والطهى والخياطة والنسيج والتزين والتجميل، ويرفض العقاد أن يكون تفوق الرجل مرجعه إلى قلة مزاولة المرأة للأعمال العامة، فالرجل يتفوق حتى في الأعمال التى تزاولها المرأة منذ فجر التاريخ (العقاد، هذه الشجرة، ص 31). ويدلل «العقاد» صحة مزاعمه عن تفوق الرجل على المرأة ذاكرًا مثالًا عن حياة الرهبان، فيقول: «عاش بعض الراهبات كمعيشة الرجال الرهبان في القرون الوسطى بين الأديرة والمعاهد الدينية والعلمية. وانقطع هؤلاء للعبادة والتلاوة ونسخ الكتب وترجمتها والتفكير فيها، فلم يُعْرَف لامرأة راهبة فضل في القراءة أو النسخ أو الترجمة كالفضل الذى عُرِفَ لمئات من الرهبان». (العقاد، هذه الشجرة، ص 32).
منذ الصفحة الأولى من كتابه «هذه الشجرة» يشرع «العقاد» في مهاجمة المرأة مستندًا إلى بعض ما جاء في الكتب السماوية كالقرآن الكريم والعهد القديم، بل هو يسفر عن موقفه العدائى منها منذ لحظة اختياره لعنوان كتابه: «هذه الشجرة»؛ إذ إن هذا العنوان يشير إلى واقعة مخالفة كل من آدم وحواء للأمر الإلهى بتجنب أكل ثمرة الشجرة المحرمة في الجنة. فهو يقول: (كل خُلُق من أخلاق المرأة مرموز إليه في قصة «هذه الشجرة»، ومن هنا اخترنا الإشارة إليها عنوانًا لهذا الكتاب) (العقاد، هذه الشجرة، ص 4).
أتى «العقاد» بنصوص من القرآن الكريم، وآيات من العهد القديم «الإصحاح الثالث- سفر التكوين»، ليدلل- من تلك القصة التى راجت في الأديان السماوية عن أن حواء خالفت أمر ربها وأكلت من الشجرة المحرمة- على أن «المرأة بطبيعتها تفعل ما تُنْهَى عنه، وهى تُغْرِى الرجل» (العقاد، هذه الشجرة، ص 4).
واللافت للنظر أن «العقاد» رغم ما راج عنه من دقة وأمانة علمية؛ فإن عداءه للمرأة كان أكبر من دقته وأمانته، إذ إنه من واقع استشهاداته الدينية غَفَل عن أن القرآن الكريم لم يذكر أن حواء بمفردها هى التى خالفت الأمر الإلهى، بل شاركها الرجل في ذلك، ففى صورة الأعراف (من الآية 19 إلى الآية 22) لم يشر النص القرآنى الكريم إلى انفراد حواء بمخالفة الأمر الإلهى، ففى بداية الآية 20 من سورة الأعراف جاء قوله تعالى: «فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِىَ لَهُما ما وُورِىَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما»، ولم يقل (فوسوس لها الشيطان)، الشيطان إذن أغرى آدم وحواء معًا. وإذا قرأنا بقية الآيات نجد أن المولى يخاطب آدم وحواء سويًا. غفل «العقاد» عن ذلك متعمدًا كى يدين المرأة وحدها، واعتمد على ما ورد في العهد القديم « الإصحاح الثالث- سفر التكوين»، لقد ألقى العهد القديم بتبعة مخالفة الأمر الإلهى على عاتق المرأة وحدها، ولأن «العقاد» كارهٌ للمرأة ومعادٍ لها، اعتمد على هذا النص وأهمل النص القرآنى الذى جعل المسئولية مشتركة بين آدم وحواء في مخالفتهما للأمر الإلهي.
يشرع «العقاد» في هذا الكتاب في سرد صفات المرأة، وهى في مجملها- كما عرضها- صفات ذميمة، فيقول: «الولع بالممنوعات خلاصة طبائع المرأة» والتى ترجع إلى أسباب كثيرة، ولا تنحصر في سبب واحد. (العقاد، هذه الشجرة، ص 4). ويؤكد المؤلف أن المرأة تولع بالممنوع لأنها تتدلل، ولأنها تسىء الظن، ولأنها تعاند، ولأنها تجهل وتستطلع، ولأنها ضعيفة الإرادة لا تطيق الصبر على محنة الغواية والامتناع. وكل هذه الصفات الذميمة تستند في رأيه إلى خصلة أخرى؛ هى خصلة الضعف الأصيل. فالمرأة تتدلل لأن قيمتها موقوفة على غيرها، أو معلقة بنظرة غيرها إليها. فهى تحب أن تعرف قيمتها، ولا تعرف قيمتها إلا بمقدار تعلق الرجل بها وصبره عليها واحتماله لما تتحلى به من دلال محبب. ولو لم تكن قيمة المرأة معلقة بمشيئة غيرها لما كانت بحاجة إلى الدلال ولا إلى توابع الدلال من مكابرة وولع بالممنوع. (العقاد، هذه الشجرة، ص 5).
ولا يتحرج «العقاد» - ذلك «الكاتب الإسلامى الكبير» أو الذى يحلو للبعض نعته بهذا الوصف- من استخدام عبارة مبتذلة يصف بها النساء في حكم عام ومطلق، فيقول: «يتمنعن وهن الراغبات» (العقاد، هذه الشجرة، ص 5). كما يقول تحت عنوان «غواية المرأة» (إن الولع بالإغراء والإغواء أخو الولع بالمخالفة والعصيان...) أو هما خصلتان من خصال الأنوثة الخالدة... فإرادة المرأة تتحقق بأمرين: النجاح في أن تُراد، والقدرة على الانتظار. ولهذا كانت إرادة المرأة سلبية في الشئون الجنسية على الأقل، إن لم نقل في جميع الشئون. (العقاد، هذه الشجرة، ص 9).
يذهب «العقاد» إلى أنه من مصلحة النوع أن تتوافر في الذكور الإرادة والقوة، وأن تتكفل الإناث بالإغواء والتلبية، إذ إن فوارق البنية جعلت السرور في كل من الجنسين مستندًا إلى الأساس العميق في الطباع، فيرى «العقاد» أنه لا سرور للرجل في إكراهه على مطلب النوع، أما المرأة فقد يكون استسلامها لغلبة الرجل عليها باعثًا من أكبر بواعث سرورها، ولعله أن يكون هذا الاستسلام مطلوبًا لذاته كأنه غرض مقصود. ويمعن المؤلف في تجسيد ضعف الأنثى واستسلامها لإغواء الذكر فيقول: «من البداهات الفطرية أن تتظاهر المرأة بالألم والانكسار في استجابتها للنوع، لأنها تفطن ببداهتها الأنثوية إلى هذا الفارق الأصيل في خصائص الجنسين». (العقاد، هذه الشجرة، ص11).
سيطول بنا الحديث إذا أردنا عرض كل ما ورد على لسان «العقاد» من ذم للمرأة والحط من شأنها، فهو لم يدخر جهدًا في كيل الاتهامات للمرأة وتحقيرها، إذ لم يترك صفة ذميمة إلا وألحقها بها، ولم يدع صفة محمودة إلا وحرمها منها، حتى شواهد التاريخ التى أبرزت مقدرة المرأة على حكم الدول والممالك أنكرها «العقاد»، أو برر إنكاره لها بطريقة فجة، فهو يرى أن تلك النماذج من النساء اللاتى حكمن كن أقرب إلى الرجولة في مزاجها وكلامها، وأن النزوع إلى التشبه بالرجال والتزيى بأزيائهم مشهود مضطرد في نساء التاريخ المشهورات مثل أليصابات ملكة إنجلترا، وكاترين قيصرة الروس، وكرستينا ملكة السويد. فهن ينبغن في اقتدارهن على بعض أعمال الرجال بمقدار ما ينقص فيهن من صفات الأنوثة». (العقاد، هذه الشجرة، ص 80).
ها هو العقاد على الحقيقة، لا كما هو مُتَصَوَّر في أذهان الكثيرين، بوصفه كاتبًا ومفكرًا إسلاميًا كبيرًا. إن هذا الأمر يقتضى منا مراجعة أفكارنا وتصوراتنا عن كثير من الرموز السياسية والفكرية والدينية التى تزدحم بها رءوسنا، ونضفى عليها هالات من التبجيل والتقدير والتوقير، وهى في حقيقة أمرها غير جديرة بشىء من هذا.