رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الطريق إلى جمعة الغضب 28 يناير 2011

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت قد انتهيت في المقال السابق إلى قيام الشرطة المصرية بفض مظاهرة 25 يناير 2011 بالطرق السلمية برش المياه والغاز المسيل للدموع ومغادرة جميع المتظاهرين السلميين ميدان التحرير مساء ذلك اليوم.
ولكن منذ فض تلك المظاهرة بدأت الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي من قيادات معارضة لنظام حكم مبارك إلى التظاهر يوم الجمعة 28 يناير 2011 والتى أطلق عليها جمعة الغضب، وكانت هذه الدعوات تستهدف الشباب استغلالا للظروف الاقتصادية وقتها وارتفاع نسبة البطالة بينهم ودفعهم كوقود في هذه المظاهرة لما يملكه الشباب من حماس وعزيمة.
ولم أكن أتخيل أن يستجيب لهذه الدعوات إلى التظاهر تلك الأعداد الغفيرة التى نزلت إلى ميدان التحرير في ذلك اليوم الجمعة 28 يناير 2011.
استيقظت من نومى في العاشرة صباحا، حيث كنت أسكن بشارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، وكنت قبلها بيوم قد دعوت ابنتى وحفيدتى نورهان التى لم يتجاوز عمرها العامين إلى الغداء ظهر يوم الجمعة، وكنت في لهفة أن يتأكد ظني في عدم استجابة الشباب لدعوات التظاهر، وقمت بفتح التليفزيون، وبحثت عن القنوات المصرية فلم أجد أي أخبار تشير إلى وجود تظاهرات في ذلك اليوم، فحمدت الله ثم قمت بالاتصال بابنتي للاطمئنان عليها، وتأكيد موعد الغداء معها، ولكننى فوجئت بعدم وجود اتصالات وتأكدت فيما بعد أنه قد تم قطع الخدمة من قبل شركات المحمول بناء على تعليمات أمنية، وبالتالى أصبحنا محاصرين داخل بيوتنا، لا نعرف أخبار ما يحدث في الخارج.
ولم أكن من مشاهدي قناة الجزيرة من قبل، ولكننى اضطررت أن أدير الريموت لأبحث عنها فاندهشت مما رأيته، لقد كان بثا حيا من ميدان التحرير لفعاليات التظاهرات بالصوت والصورة في الوقت الذى تجاهل فيه التليفزيون المصرى الإشارة إلى هذا الحدث الجلل، فقد أدت الجزيرة الدور المرسوم لها بدقة عبر حث الناس على النزول إلى ميدان التحرير ومساندة المتظاهرين في ظل انقطاع الاتصالات في ذلك اليوم.
لقد ظن القائمون على اتخاذ ذلك القرار أن قطع الاتصالات لن يمكن المتظاهرين من التجمع أو التواصل ببعضهم البعض، ولكن للأسف كان من دواعي هذا القرار غير المدروس أن أصر الناس على النزول إلى ميدان التحرير والتجمع احتجاجا على الاستخفاف بهم  وقطع الاتصالات التليفونية في يوم إجازتهم.
وهو ما حدث بالفعل مع ولديّ التوءم أحمد ومحمد اللذين كانا مقتنعين بعدم النزول يوم الجمعة 28/1/2011 اكتفاء بما شاركا به في تظاهرة الثلاثاء 25 يناير 2011 ولكن قرار قطع الاتصالات قد استفزهما وقررا النزول إلى ميدان التحرير سيرًا على الأقدام ضمن مسيرة سلمية بدأت في التجمع في ميدان مصطفى محمود بالمهندسين، ثم أخذت طريقها حتى ميدان الدقى، ثم انعطفت يسارا في شارع التحرير حتى وصلت إلى بداية كوبرى قصر النيل من ناحية الأوبرا المصرية، حيث كانت الشرطة المصرية تقف في منتصف الكوبرى لمنع وصول المتظاهرين إلى ميدان التحرير.
طالبتهم الشرطة وقتها بفض المسيرة وديا وعدم الاستمرار في محاولة الوصول إلى ميدان التحرير حيث إن تلك المنطقة من أكثر مناطق وسط البلد حساسية نظرا لتواجد عدد كثير من سفارات الدول الكبرى كأمريكا وبريطانيا فيها إضافة إلى مجموعة كبيرة من الفنادق العالمية التى يقيم فيها عدد كبير من السائحين، ولكن في ظل إصرار المتظاهرين السلميين على اختراق الحاجز الأمني للوصول إلى ميدان التحرير قامت الشرطة بإطلاق خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع عليهم في محاولة لتفريقهم، وبالفعل تراجع المتظاهرون وقتها عن اقتحام ميدان التحرير، حيث عاد أولادي إلى البيت في نحو الساعة الرابعة عصرا، وقصوا علي ما حدث تفصيليا، مؤكدين أن الشرطة، وللمرة الثانية، لم تتعامل معهم بعنف وإنما استخدمت معهم الوسائل السلمية لفض تظاهراتهم.
وحضرت ابنتى وحفيدتى نورهان في موعدهما لتناول الغداء وتمضية اليوم معى وكانت قناة الجزيرة هى الملاذ لنا حيث تجمعنا أمامها لنعرف أخبار تظاهرات ميدان التحرير في ذلك اليوم.
كانت الجزيرة تذيع أخبارا غريبة عن حجم التظاهرات وأسلوب التعامل الأمني العنيف معها، وعن سقوط قتلى ومصابين، عرفنا فيما بعد أنها كانت جميعها أخبارا كاذبة هدفت إلى الوقيعة بين الشرطة والشعب مما أثار حفيظة المتظاهرين، آنذاك، الذين توجهوا بعشرات الآلاف إلى الميدان وبدءوا في رشق رجال الشرطة بالحجارة في محاولة لاستفزازهم.
وعندما تيقنت القيادة السياسية أن أعداد الشرطة المتواجدين في ميدان التحرير لا يمكنهم التصدى للمتظاهرين بسلمية، وحفاظا على الأرواح صدرت الأوامر للقيادات الأمنية بالانسحاب من كافة المواقع المحيطة أو المؤدية لميدان التحرير، وبالفعل انسحبت الشرطة دون صدام حقيقى مع المتظاهرين، وتركت الميدان يموج بآلاف المتظاهرين مما أعطى الفرصة إلى تزايد الأعداد نظرا لإحساس الجميع بالأمان وخلو الميدان من الشرطة، وكان ذلك عصر يوم الجمعة 28/1/2011.
وفى ظل انسحاب الشرطة الذى جاء حفاظا على أرواح المتظاهرين وانتشار هذا الخبر على وسائل الإعلام المختلفة بدأت الفوضى تعم الشارع المصرى، وأتذكر واقعة حدثت أمام عينى الساعة السادسة مساء، ذلك اليوم حيث سمعت وأنا في البيت أصوات تظاهرات في شارع جامعة الدول العربية، وتحديدا أمام شركة مصر للأسواق الحرة الواقعة في نهاية الشارع قرب شارع السودان، فنزلت إلى الشارع لأرى ماذا يحدث فهالني ما رأيت؛ لم يكونوا أبدا متظاهرين بل لصوص بالمئات استغلوا انسحاب الشرطة في ذلك الوقت وقاموا باقتحام مقر شركة مصر للأسواق الحرة المكون من عدة طوابق تحتوى على الأجهزة الكهربائية بكافة أنواعها والساعات والنظارات وغيرها من السلع المستوردة ذات الأثمان المرتفعة، وشاهدت هؤلاء اللصوص الذين تخفوا في شكل متظاهرين وهم يدخلون ويحملون كل ما وصلت إليه أيديهم من ثلاجات وغسالات وشاشات وبوتاجازات وساعات ونظارات وغيرها وتحميلها على سيارات نصف نقل وتوك توك حتى انتهوا من سرقة كل شىء كان موجودا في الشركة، وللأسف لم يكتفوا بسرقة ونهب الشركة بل قاموا بعد ذلك بإضرام النيران في المبنى حيث أتت النيران على المبنى ودمرته كاملا لقد ظلت النيران مشتعلة فيه عدة ساعات مما هدد حياة القاطنين في هذا المبنى.
وكنت أشاهد ذلك في ذهول وأنا غير مصدق أن مصر أصبحت بلا شرطة تحميها وأنها تركت اللصوص والخونة للعبث بها.
وتيقنت أن الحكاية ليست ثورة كما أطلقوا عليها ولكن لها أبعاد أخرى يقصد بها الإجهاز على مصر، ونشر الفوضى عبر البلاد تمهيدا لهدف أكبر.
وتلك حكايات أخرى سأتطرق إليها في أيام ما بعد 28 يناير 2011.