الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العقاد.. و«هذه الشجرة» (1-2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذكرنا في مقالنا الأسبوع الماضي، أننا أحيانًا نرسم صورة ذهنية مشرقة لمفكرين وساسة ورجال دين، لا تتماهى مع حقيقتهم الواقعية، ونضفي، في بعض الحالات، صفات على أشخاص هم غير جديرين بها، وقد نرفع بعض الأشخاص مكانة تقترب كثيرًا من حد التقديس، وهم في حقيقة أمرهم لا يستأهلون تلك المكانة. على ضوء ذلك سنحاول اليوم إعادة فحص كتاب «هذه الشجرة» الذى أصدره «عباس محمود العقاد» عام 1945، يكشف «العقاد» في هذا الكتاب عن عدائه الشديد للمرأة، وجاء هذا الكتاب بمثابة «بيان» أو «إعلان» عن هذا العداء، فمنذ السطر الأول وحتى نهاية الكتاب يشن المؤلف هجومًا ضاريًا على المرأة. فهى في نظره لا تزيد على كونها «حيوان بشعر طويل وفكر قصير»، هى حيوان لا خلاق لها، تحركها الفطرة والغريزة، لا العقل والضمير. إن كراهية «العقاد» للمرأة تفوق الوصف. ولو أن هذه الكراهية جاءت من رجل من عامة الناس لهان الأمر إلى حد ما. أما أن تأتى هذه الكراهية وتلك الاتهامات للمرأة من جانب شخصية بحجم «العقاد»، فإن الأمر يستأهل أن نقف عنده متأملين فاحصين وناقدين أيضًا. إن «العقاد» ليس نكرة بين الناس، بل هو «الكاتب الإسلامى الكبير»، صاحب القلم الحر، إنه مؤلف «العبقريات»، وصاحب كتاب «التفكير فريضة إسلامية».
يظن كثيرون أن «العقاد» يزن كلماته بميزان الذهب، وأن كتاباته تتصف بالدقة والإحكام، وأنه يكاد لا ينطق عن الهوى، أو هكذا هى صورته الذهنية في رءوسنا. العقاد هذا ينظر إلى المرأة نظرة دونية، ينظر إليها لا بوصفها إنسانًا، بل بوصفها حيوانًا لا يبرع في شيء قدر براعته في إثارة غريزة الرجل. فهو يقول نصًا في روايته الوحيدة «سارة»، ويعيد هنا في كتابه «هذه الشجرة» ما قاله هناك، بأن المرأة غشاشة، و«أن الغش عند المرأة كالعظمة عند فصائل الكلاب»، فكما يحرص الكلب على قضم العظمة مهما امتلأ جوفه باللحم، كذلك المرأة تخاف وتحتال وتراوغ وترائى وتلعب بمواطن الضعف في الرجال، حتى أن بعض النساء ينشدن الغش التذاذًا بالغش ذاته». (العقاد، هذه الشجرة، مكتبة نهضة مصر، القاهرة، 2006، ص 11).
إن المرأة عند «العقاد» هى «أداة الشيطان» فهى بصفة عامة «غبية»، ولكنها حين تشرع في ارتكاب الشرور والخبائث، يمنحها الشيطان دماغه ودهاءه، ولذلك يتفتق ذهنها عن عبقرية فذة وذكاء باهر، وتأتى بالمعجزات حين تُقْدِم على تنفيذ الخبيث من الأعمال. أما في حالاتها الاعتيادية التى تكون فيها بعيدة عن الخبث والشر، فتجدها «غبية» عاجزة عن فهم أبسط الأمور. (العقاد، هذه الشجرة، ص 11).
هكذا يُصْدِر «العقاد» أحكامًا مطلقة، ويُرْسِل الكلام على عواهنه دون روية أو تدبر حين يتعلق الأمر بالمرأة. يشعر المرء من كلام «العقاد»، في هذا الموضع وغيره من مواضع الكتاب، إنه لا يتحدث عن المرأة بألف لام التعريف، لا يتحدث عن المرأة في المطلق، وإنما يتحدث عن تجربة شخصية، عن امرأة أحبها بصفاتها الخاصة التى تتميز بها بين سائر النساء، وإنه أوغل في عشقها وانغمس فيه، حتى أحبها بوصفها المرأة على الإطلاق، المرأة على الحقيقة، أو المرأة التى تتمثل فيها الأنوثة بحذافيرها، وتتجسد فيها صفات حواء وجميع بناتها. ولكن من المرجح أن من أحبها قد خذلته وتخلت عنه وفعلت به الأفاعيل، فأراد الانتقام منها، فوصف المرأة في العموم بتلك الصفات الذميمة التى تحلت بها صديقته أو حبيبته أو معشوقته التى تلاعبت به وبمشاعره، واستهانت بحبه لها فجعلته يكرهها ويكره كل بنات حواء.
يساوى «العقاد» بين أنثى الإنسان وأنثى الحيوان. ويصرح بأن الأساس الذى تستند إليه أخلاق المرأة هو تحقيق رغبتها الفطرية في الفوز بالرجل والاستحواذ عليه، وهو ما يطلق عليه «العقاد»: «الاحتجاز الجنسي»، وهى غريزة تتساوى فيها المرأة مع أنثى الحيوان. فالمرأة هى «الجائزة» أو المكافأة التى يحصل عليها الفائز من الرجال بعد صراعه مع أقرانه الآخرين. هناك صراع ومتصارعون، وهو صراع بين الذكور، المرأة تنتظر الفائز، تنتظر «من يستحقها فتلبيه، يتساوى فيها الإكراه والاختيار». (العقاد، هذه الشجرة، ص 56). ولا يتحرج «العقاد» من الاستطراد قائلًا: «فهى تصنع ما تصنعه إناث الدجاج، وهى تنتظر ختام المعركة بين الديكة، أو تنتظر مشيئتها بغير صراع. وكذلك تصنع الهرة وهى تتعرض للهر وتعدو أمامه ليلحق بها، وتصنع العصفورة وهى تفر من فرع إلى فرع ليدركها العصفور السريع، وتصنع الكلبة والفرس والأَتانُ (أنثى الحمار)، وهى مضطرة إلى الاحتجاز؛ لأنه الحكم القاهر الذى فرضته عليها وظائف الأعضاء». (العقاد، هذه الشجرة، ص 56). 
تستند الآراء التى يطرحها «العقاد» إلى نظرة متدنية إلى المرأة، فالمرأة في رأى ذلك «المفكر الإسلامى الكبير» ما هى إلا «حيوان» مثير لغرائز الرجل (هذا أعظم ما تمتلكه المرأة في نظره من مواهب وملكات) مثلها مثل أنثى أى قط أو كلب. إذا نزلت أنثى الكلب الشارع التف حولها عدد كبير من ذكور الكلاب يرغب كل واحد منهم في مضاجعتها، ويفوز بها الكلب الأقوى والأشرس. منظر مألوف نشاهده في شوارعنا وحاراتنا- لكن المرأة ليست حيوانًا أيها الكاتب الكبير!!.. المرأة ليست حيوانًا يا سادة!! المرأة ليست كتلة من الجنس مثيرة لشهوة الرجل، وبالتالى؛ فإن مرضى العقول- ومنهم «العقاد» بطبيعة الحال- أولئك الذين لا يرون في المرأة سوى أنها كتلة من الجنس مثيرة لشهوة الرجل، ينادون ليل نهار بضرورة إخفاء كل معالم جسد المرأة وتحويلها إلى شبح أو مجرد مسخ. إن تصور المرأة على هذا النحو لا ينطوى على إهانة لها وحدها، بل يحمل هذا التصور إهانة للرجل واحتقارًا له بوصفه حيوانًا يثار لمجرد رؤية المرأة، دون رادع من عقل أو قيم أو مبادئ يلجم شهوته!!