الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بين التراث والتدين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يلعب الدين دورًا رئيسيًا، منذ بدء الخليقة، في حياة الإنسان حيث إن الدين والتدين باسميهما يتم التعامل من خلالهما مع الطفل منذ ولادته ومن خلال تعاليم وإرشادات الأم والأب والأسرة له، بما يجب أن يتعلمه الطفل حتى يتم بذر بذور التدين باسم الدين الذى تعتنقه الأسرة أيًا كان مسمى هذا الدين.
 ولا شك أن هذا السلوك وتلك المعاملة من جانب الأسرة يكون مصدرهما شكل التدين الذى ورثته وتعاملت وتأثرت به هذه الأسرة بدءًا من شكل التدين الموروث من الأسرة والتشبع بسلوكيات متوارثة في إطار العائلة ثم الجيران في الحى، ويتوازى مع ذلك ما يتلقاه الطفل من المسجد والكنيسة إلى أن يتم التأثر بما يلقى عليه في المدرسة خاصة في مجال الحديث عن الدين والتدين، سواء في حصة اللغة العربية أو حصة الدين أو من خلال ممارسة الأنشطة المدرسية خاصة التى تُمزج بأشكال تدينية مصدرها أفكار وتفسيرات واجتهادات وتأثيرات من آخرين متعددى ومتنوعى الفكر الديني، والفكر الدينى هنا هو فكر وتفسير واجتهاد البشر في تفسير النص الدينى الذى يتسم ويوصف بالقداسة، ولأن هذا الفكر الدينى هو فكر بشرى قابل للخطأ والصواب، ناهيك بأن يكون هذا الفكر مرتبطا ومتأثرا بفكر دينى استغل الدين والتدين لتمرير مصالح تنظيمية وحزبية وذاتية، هنا يتم برمجة الأفكار بفكر متطرف يستغل الدين ويفسر النص حسب ما يريد وما يهدف لأمور لا علاقة لها بصحيح الدين ولا بقيمه ولا بمقاصده العليا، في هذه الحالة يكون قد تم خلط الدين كنص دينى بفكر دينى بشرى لا علاقة له بالقداسة من قريب أو من بعيد، هنا نكون قد بدأنا وضع الخطى على أول طريق تقديس غير المقدس وخلط الدينى بغير الديني، ومع تراكم هذا الفكر، وفى كل الأديان، يتحول إلى تراث دينى لأقوال وأفعال وتفسيرات وآراء وفقه بشرى، ومن حق الإنسان المؤمن الاقتناع به أو عدم الاقتناع وذلك حسب رؤية الفرد الذاتية وإحساسه الإيمانى بدينه وعلاقته الخاصة والذاتية مع الله الواحد، وهذا هو صحيح الإيمان بالدين حيث إن الدين خاص بالإنسان بمفرده والإيمان يتعلق بالفرد وليس بالمجموع، وسيحاسب الفرد الذى قبل أو رفض هذا الفكر وذلك التراث وليس المجتهد أو المفسر أو الولى أو الفقيه أو القديس، فهؤلاء سيحاسبون حسب إيمانهم الصحيح وأعمالهم التى تتوافق مع قيم ومقاصد الدين، الإشكالية هنا أن الدين والنص الدينى يتم الخلط بينهما وبين التراث الدينى والتاريخ الدينى الذى هو ابن زمانه ومكانه ولا علاقة له بالحاضر إلا إذا توافقت واتفقت أحداث أو أفعال الحاضر مع حوادث وأقوال وأفعال ذلك التراث، خاصة التراث الذى يعتمد على النص وصحيح الحدث وإعادة قراءة التاريخ بما يتوافق مع الظرف المعيش، وهذا ما يجعل الدين صالحا لكل مكان ولكل الأزمنة حيث ثبات النص وقداسته مع تغير الفكر الدينى وتأثره وتوافقه مع الواقع والأحداث والمعطيات المتغيرة، حيث إن التغيير والتطور من سُنن الله سبحانه وتعالى، ولكن لأن هناك من يسمون برجال الدين، ومنذ ما قبل الأديان الإبراهيمية، حيث إن فكرة الدين والتدين سبقت الأديان السماوية بشكلها الحالي، فقداسة الدين الذى يتأثر به الإنسان طوال حياته بل هو أيضًا الذى سيحدد مصير الإنسان فيما بعد الموت جعلت رجال الدين يوصمون بالقداسة ويتميزون بالخصوصية سواء بالتفاسير النصية أو بالمعاملات الاجتماعية، خاصة في المجتمعات التى تعتبر الدين والتدين نوعا من التباهى الاجتماعي والتمايز والتعالى على الآخر الدينى سواء كان مشاركًا في الدين أو في دين آخر، حتى لو كان هذا التدين شكليا وبعيدا عن عمق الإيمان الصحيح، هنا وجدنا الغالبية من رجال الدين وعلى مر التاريخ يستغلون هذا الواقع، وما العصور الوسطى إلا مثل لاستبداد رجال الدين والكنيسة بالبشر وباسم الدين واعتمادًا على التقديس الذى يتم في غير موضعه، ومن الواضح أن التدين المصرى القديم الذى كان يخلط بين السلطة والكهنوت الدينى أورث المصريين هذا الخلط، حيث إن تعامل المصرى مع الدين ورجل الدين يتسم بممارسات وأشكال لا تجدها كثيرًا في مكان آخر، حيث إننا نشاهد بعض علماء الإسلام وهم ليسوا رجال دين، حيث لا رجال دين ولا كهنوت في الإسلام، يستمرئون أن يعاملوا كرجال دين في شكل قريب من رجال الدين المسيحى الذين يعاملون بقداسة، وكأن هذا التعامل وهذه القداسة جزء أصيل من صحيح العقيدة المسيحية، فالاحترام واجب للجميع ومن الجميع بلا استثناء، ولكن لا قداسة ولا قدسية لغير الله فقط، هنا أصبح هؤلاء وأولئك ومن خلال فكرهم الدينى البشرى وتمسكهم بكثير من التراث والتاريخ الدينى الذى لا يتواءم ولا يتوافق مع الواقع المعيش والمتغير جذريًا عن أيام وتاريخ الأديان مقدسين مثل الدين والمساس بهم مساس بالدين، لذا لا بد من تصحيح بل فلترة كثير من ذلك الفكر الموروث، كما لا يجب أن يُقدس غير المقدس، والأهم أن هذا التصحيح لن يكون أبدًا رهن المؤسسات الدينية وحدها، حيث إن تواجدها وكينونتها جُبلت واعتمدت على هذا التقديس وذاك التراث، وهنا أُذكر بالمجمع الفاتيكانى الثانى «1962 - 1965» في الكنيسة الكاثوليكية الذى غير فكرها الدينى بما يتوافق مع الواقع ويسعى لقبول الآخر أى آخر حيث إنه لا ولن يكون هناك إصلاح للفكر الدينى بغير قبول الآخر بعيدًا عن التربص والرفض والتكفير والزعم بامتلاك الحقيقة المطلقة التى هى لله وحده.