يتابع الكاتب والمفكر اليسارى «المصرى الراحل دكتور رفعت السعيد فى كتاب «الإرهاب المتأسلم.. حسن البنا وتلاميذه.. من سيد قطب إلى داعش» والصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بقوله: ونأتى بعد ذلك إلى متأسلم إخوانى آخر، وهو صالح سرية، وإذا كانت ظواهر عديدة وملابسات تشير إلى إخوانية صالح سرية، فإن كثيرين ينسبونه إلى «حزب التحرير الإسلامى» وأكاد أقول.. لا فرق.
فحزب التحرير الإسلامى أتى هو أيضا من بئر المتأسلم الإخوانى، فتقى الدين النبهانى مؤسس هذا الحزب كان بالأساس إخوانيا لكنه تمرد وأسس حزبه فى عام 1950 أما سبب تمرده فهو انهيار جماعة الإخوان أمام عينيه، إذ اعتقد أن الجماعة تسرعت بالتصادم مع النظام، وقبل أن تكمل رسالتها فى تثقيف الجماهير المسلمة بثقافتها فكان أن عزلت وضربت، وأصدر النبهانى كتابًا سماه «التكتل الحزبى» معلنا أن المهمة الأساسية هى تشكيل تنظيم منضبطا لكنه لا يعمل سرًا ولا يدعو إلى أى تصادم، مؤكدًا أن المهمة الأساسية فى هذه المرحلة هى ما سماه «التكوين الأخلاقى» للمجتمع ككل، ومع تكتل إخوان الضفة الغربية والأردن فى هذا الإطار، وبحثا عن تلافى الانشقاق عن الإخوان استدعى إخوان الأردن سيد قطب، وجرى حوار مطول انتهى بحل وسط هو أن يمضى النبهانى وحزبه فى العمل لتحقيق أفكاره وأن يظل فى نفس الوقت جزءا من الدعوة الإخوانية الشاملة.
انتقل صالح سرية إلى بغداد حيث التحق بجماعة الإخوان هناك، وأسس مجموعة مسلحة فى إطار هذه الجماعة لكنها كانت مكونة أساسًا من الفلسطينيين المقيمين بالعراق، وبدأ فى الإعداد لانقلاب عسكرى يبدأ باغتيال أحمد حسن البكر وصدام حسين فى عام 1973، واكتشفت المؤامرة لكن سرية تمكن من الهرب هو وأسرته، وفى القاهرة حصل على دعم حامد أبوالنصر وكان أحد كبار العاملين فى الجامعة العربية، فسعى لمنحه فرصة عمل فيها.
وهكذا أصبح صالح سرية فى أحضان الإخوان من جديد، وكانت الجماعة فى أوج نشاطها بعد أن تحالفت علنا مع السادات، وبعد أن منحها السادات فرصة تثقيف الشباب فى معسكرات أقيمت خصيصا لذلك، وخلال واحدة من زياراته المتكررة لزينب الغزالى التقى فى بيتها طلال الأنصارى «وجد فيه شابًا متحمسًا ذا ميول دينية واتفقا معًا على وجوب إقامة دولة إسلامية تسعى من خلال الجهاد إلى تغيير النظام القائم وإقامة نظام إسلامى، ونشط الأنصارى فى الإسكندرية حيث يقيم وعبر تردده على المساجد، وكذلك زملاؤه فى الدراسة، وضم عددًا منهم وأصبح أميرًا للإسكندرية وسريعا جدًا تكون التنظيم فقد كان الإخوان ناشطين فى المعسكرات الشبابية، وكان الشباب جاهزين للاستجابة.
وفى أبريل 1974 حاول صالح سرية تحقيق انقلابه وفشل فشلا ذريعا، إذ تكشف التحقيقات عن إجابات بالغة الدلالة لكيفية نجاح صالح سرية فى تجميع هؤلاء الشباب وفى حماس هؤلاء الشباب لمشروع انقلابى كان يتبدى مستحيلا. فالمتهم سعد دربالة يقول: « إن النكسة كان لها تأثير سيئ على الجميع، وإن السادات عندما تولى الرئاسة انتظر منه المتدينون تغييرًا شاملًا لكنه لم يحدث بالدرجة المطلوبة». وبرغم أن المتهمين قد أقروا فى التحقيقات بأن لهم برنامجًا ثقافيًا يستند إلى القرآن والسنة وكتابات صالح سرية وسيد قطب ووحيد خان وابن تيمية.
إلا أن أقوالهم قد أوضحت ضحالة التفكير الذى قادهم إلى هذا الاندفاع فقد كان المتهمون يؤكدون فى التحقيقات أنهم كانوا ينقلبون ضد حاكم كافر، وطاغوت لا يحكم بما أنزل الله، إلا أنهم عندما سألهم المحقق عمن يرون يصلح لحكم مصر أجابوا إجابات غاية فى السذاجة، فقال أحدهم يرشح الأزهر، وآخر رشح حسن الشافعى لأنه يواظب على الصلاة وبالتالى هو ملتزم وثالث اقترح محافظ القاهرة لأنه رمم مسجد عمرو بن العاص.
لكن المهم أن نذكر أن أكبر مجموعتين فى تنظيم صالح سرية أولاهما كان أميرها طلال الأنصارى الذى التقاه فى منزل زينب الغزالى والمجموعة الثانية كان أميرها حسن الهلاوى وكان سجينا إخوانيا انضم إلى صالح سرية بعد الإفراج عنه. وبدلا من الاستيلاء على سلاح الكلية الفنية العسكرية جرت مصادمات عنيفة قتل فيها 11 شخصا وجرح 23. وكانت الخطة هى الاستيلاء على السلاح ثم التوجه إلى مبنى اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى لاقتحام اجتماع اللجنة المركزية بعد إيهام الحراس بوجود متفجرات بداخلها فتحدث فوضى ويتم اعتقال الرئيس وأعضاء الحكومة وكل القيادات.
وبرغم هذه السذاجة المفرطة كان صالح سرية واثقًا من نجاحها لدرجة أنه أعد الخطاب الذى سيلقيه فى التليفزيون باسم صالح سرية رئيس جمهورية مصر العربية، وقبض على صالح سرية ومعه الخطاب وحوكم صالح سرية وجماعته، وكالعادة اعترف الجميع على الجميع، وحكم على صالح سرية ونائبه بالإعدام ونفذ الحكم فى 11 أكتوبر 1975.
وسجن بعض وأفرج عن آخرين، لكن المفرج عنهم ما لبثوا أن انضموا إلى جماعة شكرى مصطفى، أما أعضاء الإسكندرية فقد انضموا إلى مجموعة متأسلمة أسسها مصطفى يسرى عام 1974، وأسمت نفسها جماعة الجهاد ومن صفوف هذه الجماعة أتى المهندس محمد عبدالسلام فرج المهندس الأساسى لجماعة الجهاد.. فى ثوبها المتجدد ومهندس عملية اغتيال السادات وصاحب كتاب الفريضة الغائبة.
وللحديث بقية