رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحاجة للبناء في الإنسان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قطعنا شوطا كبيرا في بناء الوطن وإرساء قواعده المتينة، من بنية تحتية تشمل كهرباء وطرق وكبارى ومدنا جديدة وقضاء على عشوائيات واستصلاح للأراضى وتطوير وتسليح قواتنا المسلحة. وهى ضرورات كنا وما زلنا بحاجة إليها.
نعم هى خطوات مهمة في بناء الوطن الذى يعتبر البيت الذي نأوي إليه ونستظل في ظله ولهذا وجب أن يكون هذا البيت جميلا مجهزا بما يكفى لحياة إنسانية كريمة وبيئة ملائمة لحياة عصرية راقية.
لكننا ما زلنا نتهيب بناء الإنسان الذى سيقيم في هذا الوطن ويعمره ويطوره، فالأحجار التى وضعناها في مرحلة بناء الوطن لا يمكن أن تظل بكامل تألقها إن لم يكن الإنسان الذى يسكن في ظلها لديه الوعى الكافى بأهمية تطويرها والحفاظ عليها وتنميتها مستقبلا، وإلا فعلنا كمن ترك لأبنائه جبلا من ذهب دون أن يكون لديهم القدرة والوعى بالحفاظ على تركته الثمينة.
نحن إذن يجب أن تكون لدينا أولوية بناء الإنسان الذى يمكنه فيما بعد أن يصنع حضارته بأفكاره هو وأن يحقق ثروته بعرقه وأن يبنى وطنه القوى بيده لا بيد الآخرين.
الإنسان المتعلم المتوائم مع علوم عصره والمثقف بما يؤهله لتقدير إرثه الحضارى هو فقط القادر على أن يصنع وطنا قويا قادرا على أن يضع قدما ثابتة على درب التقدم والتطور وأن ينتج لنفسه ثروته حتى وإن لم يخلقها الله له تحت أرضه أوفى أعماق بحاره أو في ثنايا ترابه.
فنظرة سريعة على أكثر الدول تقدما وقوة سنجد معظمها فقيرا في ثروته الطبيعية سواء أكانت نفطا أو غازا أو أى معدن ذى قيمة وستجد هذه النماذج في دول مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية بل ومعظم دول أوروبا. وهى دول تمتلك تقريبا أكثر من نصف ثروة العالم وتجلس على قمته تكنولوجيا وعلميا؛ فمثلا دولة اليابان دخلها القومى يتجاوز الـ٥ تريليونات دولار والصين ١٤ تريليون دولار وألمانيا نحو ٤ تريليونات وإنجلترا نحو ٣ تريليونات وفرنسا مثلها تقريبا وكوريا الجنوبية نحو مليار ونصف المليار تقريبا. 
في حين نجد أن الدول الأكثر ثروة في مجال النفط والغاز لا تزال عبئا على الحضارة لا تنتج إلا مجموعات من المتطرفين الذين يعادون أى تقدم علمى أو فكرى وما زالت معاركهم الأساسية ميراثا منذ أكثر من ١٤٠٠ سنة، يختلفون حول أديان لم يخترها معظمهم ويتقاتلون حول طوائف وشيع هى إرث معارك خاضها أجدادهم وما زالت هى نفسها جوهر معارك أحفادهم.
ما زالت معاركهم فيما بينها أكثر من معاركهم مع أعدائهم الحقيقيين..بأسهم بينهم يتغذى بأفكار ورثوها عن أجدادهم!. وكأنهم انتقوا من هذا الإرث ما يفرق شملهم ويذهب ريحهم.. نجدهم لا يألفون إلا الردىء من ميراث الأجداد ويأنفون من مجرد المساس به. فقدسوا ما لا قداسة له ورفعوا من شأن ما يشينهم ويسىء إلى معتقدهم. وكأن لسان حالهم يقول «هذا ما وجدنا عليه آباءنا!!». وكأننا بحاجة إلى رسالة جديدة تقنعهم بأنه ليس كل ما وجدنا عليه آباءنا يستحق أن نتبعه حتى اليوم. ونصطحبه في عصر غير عصورهم تحت مسميات السلفية وغيرها من أسماء بما فيها جماعات السنة والشيعة التى أصبحت مسميات تدعو لغرس الكراهية والفرقة فيما بين المسلمين والعرب ولا تدعو للألفة حول دين وسطى يدعو للرحمة والرفق والمعاملة الحسنة وشحذ همم العمل والابتكار والتجديد والتفكير.
نحن بحاجة إلى إعادة بناء الإنسان العربى ليكون أداة بناء لا معول هدم للحضارة، ويكون مبدعا لصالح مجتمعه يرقى بالبشرية ولا يعاديها.. ينهض بشركاء الوطن ولا يكفرهم.. يدفعهم للأمام ولا يجرهم للخلف، ولن يتحقق هذا إلا بثورة حقيقية تمحو الصدأ الذى ران على القلوب وأظلم العقول.
حاجتنا إلى ثورة فكرية شجاعة تبنى الإنسان بشكل يليق بعصره ويتواءم مع الركب العالمى للحضارة وهى معركة أشد قسوة وأكثر أهمية مما فعلناه في معركة البناء المادى لتأسيس بنية تحتية قوية. معركة تغيير الأفكار وتنوير العقول هى الأصعب والأبقى وهى الاستثمار الأطول عمرا والأغزر عائدا.
ولن تتحقق إلا بأدوات وعناوين عديدة أهمها التعليم والثقافة والإعلام وهى أدوات رئيسية تتبعها أدوات أخرى تليها في الأهمية وهو ما سيكون مجالا للمناقشة في مقالات مقبلة.