الجمعة 20 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عن الصلاة بالبيجامة و«تجديد» الخطاب الديني!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مرة أخرى تستضيف مصر في مطلع العام الجديد مؤتمرًا عالميًا تحت عنوان «تجديد» الخطاب الدينى، ومع المؤتمر الذى شهدنا مثله عشرات الملتقيات من قبل، تعود الأسئلة نفسها:
هل نحن بحاجة إلى تجديد الخطاب الدينى أم إلى إصلاحه، أم إلى تغييره تمامًا بما يلائم تطور المجتمع ومقتضيات العصر؟
ومع كل تجمع للعلماء ورجال الدين من أنحاء العالم أجد نفسى أكتب ما سبق أن كتبته مرات في مناسبات شبيهة:
«إصلاح الخطاب الدينى لا يحتاج إلى مؤتمر، ولكن إلى إصلاح العقل».
نعم.. نحن في أمس الحاجة في بداية العقد الثالث في الألفية الثانية إلى «العقل قبل النقل»، وهى الإشكالية التى حيرت العلماء وأغرقت الأمة في متاهة منذ القرن الثالث الهجرى، العلم والوعى الإنسانى أم القبول المطلق بما جاء به الناقلون والمفسرون؟.
والقضية يمكن حلها ببساطة بدون الخوض المُهلِك في الخناقة الفقهية والصدام التاريخى المستمر بين أهل النقل وأهل العقل. وقد فعلتها أوروبا قبلنا بقرون عندما أوقفت الخناقة الدامية مع الكنيسة وقررت أن التعليم هو الحل، وأن الثقافة هى طوق النجاة وعندما فعلت ذلك ونجحت، خرجت أوروبا من العصور المظلمة وبدأت انطلاقتها الحضارية والإنسانية الكبرى واحتلت موقعها المرموق في قيادة الكرة الأرضية نحو عصر جديد.
وحتى ندرك حجم الهوة التى تفصل شعوب العالم الإسلامى عن الكون من حولنا، فلنتخيل معًا لو عرضنا على مؤتمر “تجديد” الفكر الدينى بعض من ما يشغل الإنسان المسلم في حياته اليومية هذه الأيام،.. ما يقلقه ومايحيره ويحاول أن يجد له إجابات في عالم مشغول باستخدامات ثورة الذكاء الصناعى والروبوت، والباحث عن علاج للأمراض الخطيرة، وعن حلول لإنقاذ الكوكب من تغير المناخ ومن المجاعات والحروب،.. تخيلوا لو قلنا لهم إننا مشغولون بحكم الشرع في صلاة المرأة بالبيجامة، وهل رسم الحواجب والتاتو حرام أم حلال، وهل يجوز الاحتفال بالفلانتين، واستخدام الشطاف في رمضان، وهل إذا قلت “مدد يا سيدنا الحسين” نخرج من الملة،.. وأخيرًا ما حكم الشرع في الزوجة التى تمتنع عن الرقص لزوجها؟!.. وهذا قليل من كثير، مما يشغلنا وما يتداوله الإعلام من أسئلة المسلمين “المستعصية” في بلادنا والتى يبحثون لها عن إجابات!!
هذه هى الثقافة السائدة، وهذا هو ما فعله التعليم بالناس!، وهنا أنا لا أقول أن الدين هو المسئول، ولكن أقول التعليم، والمنظومة الثقافية،.. ولا ألوم أيضًا المؤسسة الدينية، لأنها عاشت هكذا قرونًا تنقل ما تنقله وتدرس في معاهدها ماتدرسه بدون أن يسألها أحد، أو يتدخل أحد لمراجعة الفكر والمنهج الذى تنشره بين الناس. 
ولعل هذا الإرث التاريخى من الفكر الذى عطل تطور الأمة وأوقف نموها وعملية تحديثها هو ما تحاول المؤسسة الدينية جاهدة أن تصلحه هذه الأيام، من خلال سعيها لعقد مصالحة تاريخية مع العصر ومع تطور العلوم الإنسانية والأهم من ذلك كله، التصالح مع الإنسان نفسه ضحية التخلف والتطرف الذى أودى به في ظلام الإرهاب وتكفير الآخر وسفك دماء الأبرياء!.
إن الذى نحتاجه بالفعل ليس إصلاح الفكر الدينى بل إلى إصلاح المسئولين عن توصيل الرسالة الدينية للناس، نحن لا نحتاج إلى ثورة دينية بل إلى ثورة في التعليم والثقافة، تعليم هؤلاء الذين يعتقدون أن بول الإبل يمكن أن يكون علاجًا للأمراض، وتعليم الناس بأن “الحرام” الحقيقى هو أن يصل بك الجهل أن تسأل، أصلى بالبيجامة أم بالجلابية!، وأتصور أن المسئولين عن ثقافة المصريين وتعليمهم لا بد أن ينزعجوا جدًا وألا يناموا الليل عندما يطالعون هذا الكم الهائل من الأسئلة التى يوجهها الناس لدار الإفتاء حول شئون حياتهم البسيطة والعادية التى لا تحتاج إلى الدين بل إلى مدرسين وأطباء نفسيين، فالدين في الأصل هو أعظم منهج للتسامح والتواصل وتبسيط حياة البشر، لم تأت الأديان لتعقد حياة الناس بل لتسهلها وتمنح البشر حلولًا مريحة لحياتهم المعقدة بالأساس. وبالتأكيد هى لم تأت في الأصل لتعطى بعض الناس سلطات إلهية على بقية الناس، وهذا هو بالتحديد ما عانى منه العالم الإسلامى والعالم كله في القرن الأخير، عندما سيطرت تيارات ما بعد الوهابية على فكر وأسلوب حياة المسلمين وكفرت من يخالفها.. من الإخوان إلى توابعهم في القاعدة وما بعدها داعش وأخواتها!.
وبالتأكيد إننا إذا أردنا إصلاح الفكر فإنه من الصعب تسليم المهمة بالكامل لأصحاب الفكر نفسه وإلى رعاته والقائمين عليه، وهم في الأساس أصحاب المصلحة في الإبقاء عليه كما هو دون تجديد أو تغيير.
وكلنا تابعنا من قبل عشرات المؤتمرات تحت عنوان إصلاح أو تجديد الخطاب الديني، ولم يحدث شىء !!، لأننا للأسف كل مرة نبدأ العملية من حيث لا يجب أن تبدأ، فالبداية الحقيقية يجب أن تكون من بعيد.. من التربية، المدرسة، الجامعة، ومن الثقافة، الكتاب والفن.. مسرح وسينما وفنون رفيعة، من الإعلام والتليفزيون. البداية من قلب المجتمع ومن معرفة احتياجاته الحقيقية كى ينفض عن نفسه تخلف القرون ويذهب إلى المستقبل.
المهمة عسيرة وطويلة ولا تحل بمؤتمر ولا بمئات المؤتمرات. والتغيير سيحدث عندما تتوقف المرأة في بلادنا عن السؤال عن التاتو.. والصلاة بالبيجامة،.. وهل حرام أن ترقص لزوجها أم حلال؟!!.