أعرب الأكاديمي والمترجم الدكتور حسام نايل، مدرس النقد الأدبي بأكاديمية الفنون، عن سعادته بحصوله على جائزة "رفاعة الطهطاوي" في دورتها العاشرة بالمركز القومي للترجمة قائلا: تكتسب "جائزة رفاعة الطهطاوي" قيمتها من الرمزية التي يمثلها اسم رفاعة في تاريخنا الحديث، وينبغي ألا ننسى، وأن نعتز بمشروع الحداثة المتفرع عن مشروع تحديث جسور في مطالع القرن التاسع عشر، تبرز قيمة المشروع من حجم التحديات التي تعرض لها، والمتأمل في ظرفنا التاريخي الراهن، منذ 2014 حتى الآن، لا شك سيلمح نوعًا من الصدى التاريخي الخاص بحجم التحديات، وكأن التاريخ يتكرر عبر الاختلاف، تسمية الجائزة باسم "رفاعة الطهطاوي" تقول لنا ضمنًا: ينبغي أن نعتز، وينبغي ألا ننسى، قليلون يؤمنون بهذا، ولكن هذا القليل- بحكم إيمانه- كثير، هذا هو رهاننا التاريخي الآن".
وتابع "نايل" في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز": "أسعدني للغاية حصول كتاب "النظام السياسي في مجتمعات متغيرة" على جائزة رفاعة، فهذا تقدير من المركز القومي للترجمة - إحدى مؤسساتنا الوطنية - أعتز به غاية الاعتزاز، وحافز معنوي له رونق خاص، وبطبيعة الحال عون مادي مناسب في ظل الظروف الراهنة. الكثيرون ممن يحصلون على جوائز ينسون الإشادة بالعون المادي، وهذا نسيان غريب، أما عن الكتاب الفائز فيراهن فيه هنتنجتون على استخلاص نظرية التحديث السياسي واستكشاف الشروط والظروف التي تمر في ظلها المجتمعات بتغيير اجتماعي واقتصادي سريع يتيح تحقيق الإصلاح، وكذلك استكشاف العلاقة بين تطوير المؤسسات السياسية وحراك القوى الاجتماعية، بهدف تحديد مواصفات النظام السياسي ومعاييره، الأمر الذي يتيح من الناحية العلمية إمكان المقارنة بين الأنظمة السياسية المختلفة".
وواصل: "تأسيسًا على هذه الأطروحة الشاملة، يقوم هنتنجتون بفحص تاريخي واسع النطاق للأنظمة السياسية، بدءًا من الأنظمة الإمبراطورية الآسيوية والغربية حوالي منتصف القرن السابع عشر، أثناء تحولها من الملكية المطلقة إلى الجمهورية أو الملكية الدستورية، مرورًا بالتحديث السياسي أوائل القرن العشرين في تركيا على يد كمال أتاتورك، وانتهاءً بمحاولات الإصلاح السياسي الذي تبناه عسكريون في أمريكا اللاتينية والعالم العربي أواسط القرن العشرين، كما يراهن فوكوياما في تصديره للكتاب عام 2006 على استمرار صلاحية أطروحة هنتنجتون إلى الآن، رغم كلاسيكيتها. ويمكن أن أضيف مع فوكوياما، استمرار صلاحيتها في مواجهة أطروحات غربية وأمريكية "ما بعد حداثية" تشكك في جدوى نظرية هنتنجتون السياسية، وهي أطروحات يتبناها للأسف، وبسوء فهم وتقدير، بعض الفاعلين السياسيين سواء أكاديميين أو ناشطين، في بلادنا، دون تمحيص. يفوت هؤلاء، أو يتعامون أحيانًا، عن أن الدول الغربية - وعلى رأسها المملكة المتحدة والولايات المتحدة توسعًا - تتمسك بقوة بنظرية هنتنجتون السياسية، والتي هي - في تقديري - امتداد سياسي شامل لـ"أصول فلسفة الحق" عند هيجل. أما خط النظرية السياسية الذي يتبناه حاليًا بعض المنظرين الغربيين السياسيين الجدد، والذي يجد أصله في فلسفة ميشيل فوكو أو الأصول الأناركية، والذي يشكل "موجة ما بعد الحداثة السياسية"، فيغرق في الانتقاد والعشوائية والفوضى، ولا يقيم أود دولة مساحتها كيلومترًا، إن وُجدت هذه الدولة أصلاً.
وأكد "نايل" أن رهانه الأول بترجمة هذا الكتاب هو الإشارة إلى وجه آخر لهنتنجتون لا يعرفه القراء العرب، أقصد هنتنجتون في شبابه وليس في مراحله الأخيرة الخاصة بنظريته في صدام الحضارات".
وأشار إلى أن رهانه الثاني، هو توفير مرجع أصيل في النظم السياسية، تعمل بمقتضى نتائجه بلادُ العالم المتقدم حتى هذه اللحظة، بغض النظر عن كل الهراء النظري المتعلق بما يسمى "ما بعد الحداثة السياسية"، مضيفًا: لكن رهاني الحقيقي رهان شخصي، أردتُ أن أفهم وأتعلم حتى يمكنني اتخاذ موقف مما يجري بدءًا من نكبات عام 2011 المحيطة بنا حتى الآن. مصيرك الشخصي، ومصيرك العائلي ومصير بلدك ليس لعبة تخضع للأهواء الفكرية أو النظرية. ونحن مسؤولون أمام أنفسنا وأمام مستقبل أولادنا، يفتقر البعض إلى هذا الشعور بالمسؤولية، وهذا الافتقار لا يليق بكرامة الإنسان، أي إنسان، ونقص الشعور بالمسؤولية الذي ألمحه من خلال الاحتكاك ببعض فئات المثقفين، من مختلف المراحل العمرية، "أو ادعاء المسؤولية في اتجاه قد يبدو ناتجًا عن فهم مغلوط، أو غياب الوعي بالتعقيد، أو شيوع التبسيط الزائد المخلّ"، دفعني مؤخرًا إلى الحرص على ترجمة كتاب "على مقهى الوجودية" لسارة بكويل، كذلك دفعني إلى ترجمة كتاب "الساحة والبرج: الشبكات والسلطة من الماسونيين الأحرار إلى فيسبوك"، ولكن هذه قصة أخرى سيأتي وقتها قريبًا.
جاء ذلك على هامش حفل توزيع جوائز "رفاعة الطهطاوي" للترجمة، في إطار احتفالات المركز القومي للترجمة، برئاسة الدكتور أنور مغيث، بيوم المترجم العالمي، الذي عقد مساء اليوم الأربعاء بمقر المركز في ساحة دار الأوبرا المصرية.