يعد الكاتب والمفكر اليسارى المصرى الراحل الدكتور رفعت السعيد، واحدًا من أهم المفكرين فى مصر الذين قدموا العديد من المؤلفات النقدية لحركات الإسلام السياسي، وبينت زيف وانحراف الأطر الفكرية لقوى الإرهاب المتأسلم عن الفهم الصحيح لجوهر الإسلام، وشكلت مؤلفاته إضافة مهمة فى الفكر السياسى والاجتماعى منها «حسن البنا: متى؟.. كيف؟.. لماذا؟» و«ضد التأسلم»، «مجرد ذكريات»، و«التنوير عبر ثقب إبرة»، وكتاب «الإرهاب المتأسلم.. حسن البنا وتلاميذه.. من سيد قطب إلى داعش»، والصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والذى يفتتحه بقوله: «لم يكن حسن البنا ذلك الوديع الهادئ، ولا كان ذلك «الرجل الربانى»، كما سماه أصحابه، ولا مجرد داعية للخلافة باعتبارها وراثة النبوة. ولا كان مجرد سياسى متلون يتملق الحكام وينتقل من حاكم لحاكم.. فماذا كان إذن؟.. وتباعدًا عن أى قول بالتعصب ضده أو معه أتركه بنفسه كى يصف نفسه من أقواله هو.
ولكن وقبل أن نعود إلى ما قال البنا نود أن نحذر القارئ بأن لجماعة الإخوان قواعدها الفكرية الخاصة، وتأسلمها الخاص بها، ويتبلور الفكر «المتأسلم»، خاصة فى آليات الجهاز السرى الإرهابى الذى أسسه البنا بنفسه واختار رجاله بنفسه، وعن الجهاز السرى يتكلم واحد من أوائل مؤسسيه وأكثرهم حرصًا على تسجيل بطولات هذا الجهاز، والأهم من هذا أن مقدمة كتابه كتبها المرشد مصطفى مشهور، المعروف بأنه أستاذ أساتذة الإرهاب الإخوانى، والكتاب «حقيقة النظام الخاص ودوره فى دعوة الإخوان المسلمين ١٩٨٩»، ونقرأ نصا «لقد تعلم كل أعضاء الجهاز كل ما شرعته عقيدته الإسلامية من قواعد القتال والشهادة، ولا حاجة لأحد منهم لعالم يفتى له هل يعمل أو لا يعمل، ولا قائد يقول هل يتطوع أو لا يتطوع، ولكنه قارئ لسنة رسول الله فى إباحة اغتيال أعداء الله».
ونأتى إلى واحدة من أبشع جرائم القتل التى ارتكبتها الجماعة، وهى قتل المستشار أحمد الخازندار، ويروى الإخوان أن حسن البنا غضب لارتكاب الجريمة، لكن الحقيقة التى أوضحتها تحقيقات الجماعة أن البنا غضب لأن مسئول الجهاز السرى عبد الرحمن السندى لم يستأذن البنا قبل العملية، بل واستخدم فى العملية السكرتير الشخصى لحسن البنا، وعقدت محكمة إخوانية ونترك الرواية لمحمود الصباغ، وهو أحد قادة الجهاز السرى، وكان ضمن لجنة التحقيق.
«قال عبد الرحمن السندى: إنه تصور أن عمليه القتل سوف ترضى فضيلة المرشد، ولأن فضيلة المرشد يعلم عن السندى الصدق فقد أجهش فى البكاء، ثم كان حكم لجنة التحقيق، ويقول نصا: «تحقق الإخوان من أن الأخ عبد الرحمن السندى قد وقع فى فهم مخطئ، وفى ممارسة غير مسبوقة من أعمال الإخوان «غير مسبوقة لأن العملية تمت دون استئذان المرشد»، ورأوا أن يعتبر الحادث قتلا خطأ - حيث لم يقصد عبد الرحمن السندى ولا أحد من إخوانه سفك نفس بغير نفس، وإنما قصدوا روح التبلد الوطنى فى بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار، ولما كان هؤلاء الإخوان قدر ارتكبوا هذا الخطأ فى ظل انتمائهم إلى الإخوان المسلمين وبسببه، إذ لولا هذا الانتماء لما اجتمعوا على الإطلاق ليفكروا فى مثل هذا العمل أو غيره، فقد حق على الجماعة دفع الدية التى شرعها الإسلام كعقوبة على القتل الخطأ، وأن تعمل الهيئة كجماعة على إنقاذ حياة المتهمين البريئين «ولست أفهم معنى اعترافهم بالقتل ثم القول إنهما بريئان» من حبل المشنقة بكل ما أوتيت من قوة، فدماء الإخوان ليست هدرًا يمكن أن يفرط فيها أعضاء الجماعة فى غير فريضة واجبة يفرضها الإسلام»، ثم «ولما كانت الجماعة جزءا من الشعب وكانت الحكومة قد دفعت بالفعل ما يعادل الدية لورثة المرحوم الخازندار بك حيث دفعت لهم من أموال الشعب عشرة آلاف جنيه؛ فإن من الحق أن نقر أن الدية قد دفعتها الدولة عن الجماعة وبقى على الإخوان إنقاذ حياة الضحيتين «ولست أدرى لماذا هما ضحيتان» محمود زينهم وحسن عبد الحافظ.
ويضيف دكتور رفعت السعيد، ولسنا هنا بصدد ذكرها جميعا، لكننا سنتوقف لنمسك بتلابيب الرجل الروحانى والإمام الربانى كاذبا كذبا فاضحا، فبعد حل الجماعة كتب البنا آخر رسائله فى كتيب سمّاه «قول فصل»، وفى طبعة أخرى سمى «القول الفصل»، وبدأه قائلا: «لقد سمع الرأى العام المصرى والعربى والإسلامى قضية الإخوان المسلمين من جانب واحد هو جانب الحكومة، لكن الرأى العام لم يسمع من الإخوان الذين حرموا من كل وسائل الدفاع.. ونحن نتقدم بهذا البيان للرأى العام المصرى والعربى والإسلامى، وللضمير الإنسانى العالمى، لكى لا يقع فى الخطأ ويظلم فى الحكم، ويحكم بسماع خصم واحد، وقد قيل: «إذا جاءك خصم وعينه مقلوعة فلا تحكم له حتى ترى خصمه فقد عيناه مقلوعتان»، وبهذا التمسكن ملأ البنا كتابه الأخير بأكاذيب فاضحة فحول قضية مقتل الخازندار، وقد رأينا ما كان من تحقيقات واعتراف بالقتل «الخطأ.. إلخ»، نجد البنا يقول إن الخصوم ألصقوا تهمة قتل الخازندار بالإخوان ظلمًا وكل ذنب الإخوان أن قيل إن أحد المتهمين هو سكرتير للمرشد العام». وبمثل هذا الكذب.. عاش البنا وتعايش.. وللحديث بقية.