الخميس 10 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

قمة حلف الناتو.. الإرهابي العثمانلي بين ابتزاز أوروبا والعداء لفرنسا والاحتماء بالتنظيمات الإرهابية «لوموند»: تصريحات أردوغان تعزز التوترات بين تركيا وحلف شمال الأطلسي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتجه أنظار العالم إلى قمة حلف شمال الأطلسى «الناتو»، المقرر انعقادها بالعاصمة البريطانية لندن، اليوم الثلاثاء، في الذكرى السبعين على تأسيس الحلف، بمشاركة زعماء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء والبالغ عددهم ٢٩، ولا سيما بعد عاصفة جدل تسببت فيها «إهانة» الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، لنظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون.



وقبل أيام من القمة المرتقبة، تبادل الرئيسان الاتهامات، فيما أهان أردوغان ماكرون واصفًا إياه بأنه في حالة موت دماغية، ما اعتبره الإليزيه تجاوزًا واستدعت السفير التركى لدى باريس، كما دعا سياسيون فرنسيون إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد أردوغان تتضمن عقوبات على تركيا.

وذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية، أن تصريحات أردوغان تعزز التوترات بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، قبل قمة الحلف الحاسمة في لندن، مشيرة إلى أنه يجب أن يجتمع أردوغان وماكرون، وكذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون على هامش هذه القمة.



أسباب التوترات
ففى منتصف نوفمبر ٢٠١٩، حددت صحيفة لوبوان الفرنسية ٣ أسباب لتوتر العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وباريس، رغم كونهما عضوين في حلف شمال الأطلسي، وفى مقال له بصحيفة لوبينيون حمل عنوان «فرنسا وتركيا: موجة باردة خطيرة للغاية على الرغم من التعاون لمكافحة الإرهاب»، أكد الباحث جون دومنيك مارشييه أن أول أسباب الانتقادات الفرنسية لتركيا يعود إلى عدوان رجب طيب أردوغان على الشمال السوري. أما السببان الآخران فيتمثلان في احتضان باريس بعض الأكراد مقابل تهديدات تركيا بإغراق أوروبا بالمهاجرين، إضافة إلى إرسال أنقرة مسلحين أجانب إلى بلادهم الأصلية وفى مقدمتها فرنسا.
أكد الباحث الفرنسى مارشييه في مقاله أن الهجوم التركى على الأكراد أثار غضبًا قويًا في باريس، في الوقت الذى تستمر عمليات إعادة الإرهابيين الأجانب إلى بلادهم الأصلية، وسط مخاوف فرنسية من فرار هؤلاء المتطرفين بعد استلامها لهم.
وبدأت السلطات التركية، ١١ نوفمبر الماضي، إعادة ٢٥ إرهابيًا وعائلاتهم إلى بلدانهم الأصلية، بينهم ١١ فرنسيًا، بينما تريد الدول الغربية الحكم على هؤلاء الإرهابيين في العراق. حادثة ثانية رصدها مارشييه، عكست بدورها حالة الجمود في العلاقات بين حليفى (الناتو)، وتتمثل في موقف باريس من عدوان أنقرة على شمال سوريا، والذى وصفه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بأنه «جنون».
وأوضحت الصحيفة الفرنسية أنه لم تتم دعوة السفير التركى في باريس لاحتفالات ذكرى هدنة كومبين الأولى، التى تُجرى في ١١ نوفمبر من كل عام، والتى أنهت بموجبها الحرب العالمية الأولى. ولا يخفى على المتابعين للعلاقات الفرنسية التركية أن الرئيس رجب طيب أردوغان قد تمت دعوته للاحتفال نفسه، العام الماضى في باريس. وفى المقابل، تم إرسال تعميم إلى السفراء الفرنسيين بعدم حضور فعاليات اليوم الوطنى التركى ٢٩ أكتوبر الماضي.
وعن تصريحات ماكرون الخاصة بوضع الناتو بقوله إنه «في حالة موت دماغي»، رد أردوغان خلال زيارته الأخيرة لواشنطن: «كلمات غير مقبولة». هنا أوضح الباحث جون دومنيك مارشييه أن الرئيسين الفرنسى والتركى لم يلتقيا أو يتحادثا منذ ١٤ أكتوبر الماضي، وهو وقت مباراة لكرة القدم بين البلدين.
وفيما يرتبط بالسبب الثالث لتوتر العلاقات الفرنسية التركية، رأى باحث صحيفة لوبينيون أن احتضان باريس للأكراد يثير غضب أنقرة، موضحا أن الفرنسيين أعلنوا التحالف مع القوات الكردية في سوريا كحليف عسكرى على الأرض لمكافحة تنظيم «داعش» الإرهابي. ففى تصريحات سابقة لها، قالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلوانس بارلي: «لدينا واجب أخلاقى تجاه الأكراد الذين عملوا من أجلنا.. لا يمكن أن ينساها التاريخ».


ابتزاز أردوغان
اعتبرت الصحف الفرنسية تهديد الرئيس التركى بترحيل إرهابيى داعش الأجانب إلى بلدانهم الأوروبية مناورة من رجب طيب أردوغان لابتزاز الغرب والحصول على أموال لتمويل بناء مدن اللاجئين في شمالى سوريا التى يعتزم نقل ٣ ملايين سورى إليها، بجانب الانتقام من بعض الدول الأوروبية.
وقالت صحيفة «لوفيجارو»: «بعد تهديدات أردوغان المتكررة بفتح الباب أمام اللاجئين غير الشرعيين للسفر إلى أوروبا، يلعب الرئيس التركى بورقة إرهابيى داعش الأجانب لابتزاز أوروبا».
وأضافت أن «أردوغان يهدد حاليًا بترحيل إرهابيى داعش الأجانب الذين وقعوا في يد الجيش التركى بشمالى سوريا إلى بلدانهم في مناورة للضغط على أوروبا، والانتقام من بعض الدول، وبينها فرنسا لانتقادها الدائم سياساته الخاصة بحقوق الإنسان».
ولفتت الصحيفة إلى تصريحات أردوغان التى وجهها لأوروبا قبل توجهه لواشنطن، حينما قال: «كن حذرًا من موقفك تجاه بلد يستقبل ٤ ملايين لاجئ»، وهو ما اعتبرته الصحيفة تهديدا للغرب لانتقاده سياساته الخاصة بحقوق الإنسان، والهجوم الأخير على شمالى سوريا».
وأشارت «لوفيجارو» إلى أن «أنقرة بدأت الاثنين الماضى في ترحيل عدد من إرهابيى داعش لبلدانهم، ومن بينها فرنسا التى لا يزال التهديد الإرهابى لديها مرتفعًا». وتتزامن خطوة أردوغان مع الذكرى الرابعة للهجمات الإرهابية الدامية التى ضربت باريس ١٣ نوفمبر ٢٠١٥، وراح ضحيتها ١٣١ شخصًا، وتبناها تنظيم داعش الإرهابي.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن من بين الأسباب الأخرى وراء إعلان أردوغان ترحيل الإرهابيين الأجانب لبلدانهم الأوروبية، رغبته في الحصول على تمويل لبناء مدن للمهاجرين في شمالى سوريا، ونقل اللاجئين السوريين في تركيا إليها.
وأشارت «لوفيجارو» إلى أن أردوغان يريد ابتزاز أوروبا للحصول على الأموال التى تمكنه من إنقاذ اقتصاد بلاده الهش من جانب والرد على الانتقادات الأوروبية المتكررة لتصرفات نظامه من جهة أخرى.


الانتقام من فرنسا
ومن جانبها، رأت صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية الخطوة التركية بإرسال إرهابيى داعش الأجانب إلى فرنسا بأنها إجراء انتقامى ضد باريس بسبب دعمها الأكراد واحتضانهم، وعدد من تصرفاتها المعادية.
وخلال الشهر الماضى وصفت مجلة «لوبوان» الفرنسية الرئيس رجب طيب أردوغان، على غلاف عددها الصادر الشهر الماضي، بأنه «مبيد»، في إشارة لحملات التطهير العرقى ضد الأكراد، الأمر الذى دفع النظام التركى لتقديم شكوى ضد المجلة.


تصاعد التوتر
ونتيجة تصريحات أردوغان غير المسئولة والتى تعد إهانة للدولة الفرنسية تصاعدت حدة التوترات خلال اليومين الماضيين واستدعت باريس السفير التركى لدى باريس إسماعيل حقى موسى إثر الهجوم العنيف الذى شنه أردوغان خلال خطاب ألقاه في إسطنبول، كما ردت الرئاسة الفرنسية على ما وصفته بـ «التجاوزات الأخيرة» لأردوغان.
وقال بيان الإليزيه: «لنكن واضحين، هذا ليس تصريحًا إنه إهانة»، مضيفًا أنه «تم استدعاء السفير التركى في فرنسا إلى وزارة الخارجية الفرنسية لشرح تصريحات أردوغان، الذى اعتبر أن إيمانويل ماكرون كان في «حالة موت دماغي». واعتبر الإليزيه أنه «لا يوجد أى تعليق على الإهانات».
وردد أردوغان خلال خطاب ألقاه في إسطنبول تصريحات ماكرون، الذى وصف حلف الناتو بأنه يعانى من «موت دماغي» في مقابلة مع مجلة الإيكونومست الأسبوعية، وقال أردوغان: «أنا أتحدث من تركيا إلى ماكرون، عليك أن تتوجه بنفسك إلى طبيب لفحص حالة الموت السريرى لديك قبل كل شيء. أؤكد هذا من تركيا وسأتحدث عن ذلك خلال قمة الناتو المقبلة».
وتابع أردوغان مخاطبًا ماكرون: «الحديث عن إخراج تركيا من الناتو أو إبقائها.. هل هذا من شأنك؟ هل لديك صلاحية اتخاذ قرارات؟»، مضيفًا أن «فرنسا تتجاهل حساسيات بلادنا في سوريا وتحاول في الوقت ذاته أن تجد لنفسها موطئ قدم في هذا البلد».
وتأتى هذه التصريحات الحادة بعد انتقادات صدرت عن ماكرون ضد العدوان التركى على سوريا الشهر الماضي، حيث قال: «ليس هناك أى تنسيق للقرار الاستراتيجى للولايات المتحدة مع شركائها في حلف شمال الأطلسي، ونحن نشهد عدوانًا من شريك آخر في الحلف، تركيا، في منطقة تتعرض مصالحنا فيها للخطر، من دون تنسيق»، معتبرا أن «ما حصل يمثل مشكلة كبيرة للحلف».
وتساءل الرئيس الفرنسى خلال هذه التصريحات بشكل خاص عن مستقبل المادة الخامسة من معاهدة الحلف الأطلسى التى تنص على تضامن عسكرى بين أعضاء التحالف في حال تعرض أحدهم لهجوم. وقال ماكرون: «ما هى المادة ٥ غدا؟ إذا قرر نظام بشار الأسد الرد على تركيا، هل سنقوم بالتدخل؟ هذا سؤال حقيقي».
وانتقد سياسيون فرنسيون إهانات الرئيس التركى لرئيس بلادهم، داعين إلى اتخاذ فرنسا خطوات صارمة ضد أردوغان، وفرض عقوبات على تركيا وقطع العلاقات. بدوره، اعتبر الكاتب الفرنسى المتخصص في الشئون الدولية، أوليفييه مازيرول أن أردوغان خان «الناتو» بالتحالف مع عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، موضحًا أن أردوغان يدعو أنصاره لعودة الخلافة العثمانية، وذلك ضمن سياسته الشعبوية أمام أنصاره القوميين».
وأضاف أن الرئيس التركى يسعى لتحقيق ذلك الهدف تحت مظلة التنظيمات الإرهابية المسلحة التى يدعمها في سوريا مثل جبهة النصرة، والتحالف مع «داعش»، ما دفع الرئيس الفرنسى إلى انتقاد تلك السياسات، بحسب محطة «إل. سي. إي» التليفزيونية الفرنسية.
ووصف مازيرول تصريحات أردوغان بأنها ضمن السياسة الديكتاتورية للرئيس التركى الذى لا يقبل النقض، فبينما انتقد ماكرون السياسة التركية، يوجه أردوغان انتقادات شخصية للرئيس الفرنسي، فضلًا عن استخدام المقاتلين الفرنسيين والمهاجرين ورقة لابتزاز تركيا، مطالبًا باريس بفرض عقوبات على تركيا واتخاذ خطوات صارمة ضد السياسة التركية، أهمها وقف تصدير الأسلحة الفرنسية إلى تركيا وأى مشروعات تعاون بين البلدين.
من جانبه، قال الكاتب الفرنسي، برنار هنرى ليفي، في تغريدة على حسابه الرسمى بموقع التدوينات القصيرة «تويتر»: «ماكرون مريض عقلي»؟، في الواقع فإنه في وجهة نظر أردوغان من يدافع عن الأكراد ويترك لمعارضيه مساحة من الحرية ويحترم الديمقراطية، ويوفى بتعهداته الدولية وحقوق الإنسان إنه محض جنون، مضيفًا أن تركيا تستحق أفضل بكثير من أردوغان.
أما البرلمانى الفرنسى عن حزب «التجمع الوطني» (يمين متطرف) إيريك سيوتى فأكد أنه: «بعد إهانة أردوغان لفرنسا ورئيسها، أطالب بسحب السفير الفرنسى في أنقرة، والرفض النهائى لطلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مضيفًا أن «هجوم أردوغان الذى يعد «عراب داعش» على فرنسا أمر لا يطاق». كما وصف سيوتى أردوغان بالزعيم المستبد الخطر على السلام العالمي.
فيما أشار البرلمانى الفرنسى عن حزب «التجمع الوطني» (يمين متطرف) فلوريان فليبوت إلى أن: «أى دولة ليس لها سيادة لا يحترمها أحد، هذا ما يحدث في فرنسا.. إنها ليست مجرد مسألة أفراد، دعونا نترك حلف شمال الأطلسى (ناتو)، دعونا نترك الاتحاد الأوروبى الذى يضخ كثيرا من المال لتركيا، علينا تعزيز جيش، وعودة إستراتيجية القوة العالمية الفرنسية».
من جهته، قال زعيم حزب «انهضى يا فرنسا» (وسط) نيكولا دوبون إينيان، إن «ماكرون لا يجب أن يسمح لأردوغان أن يدوس على فرنسا مثل الممسحة، معتبرًا أن تصريحاته فضيحة دبلوماسية ناجمة عن سياسة تقديم ماكرون تنازلات لتركيا».
فيما اعتبر زعيم حزب «فرنسا المتمردة» (يسار متطرف) جون لوك ميلانشون أن هجوم أردوغان ضد الرئيس الفرنسى يظهر طبيعته الفظة كالعادة باستخدام الإيذاء البدنى أو اللفظي، موضحًا أن «حلف الناتو قد أصبح ميتًا للغاية؛ لأن أردوغان عضو فيه».
كما وصف موقع «ميديا بارت» الفرنسى التراشق بين الرئيسين الفرنسى والتركى بأنه حرب أعصاب بين أردوغان وماكرون حول الناتو قبل أيام من قمة مرتقبة تأتى في وقت حرج وسط الخروقات التركية والتعثر البريطانى في «بريكسيت»، ومن المتوقع أن تشهد اتخاذ قرارات مهمة».
بدورها، أشارت مجلة «لوبوان» الفرنسية إلى أن باريس ردت على الفور على تلك الإهانات، معتبرة أن رد الخارجية الفرنسية ليس كافيًا لمعاقبة تركيا على تصريحاتها، داعيًا إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات لردع أردوغان.
بدوره، اعتبر الباحث الفرنسي، المتخصص في الشأن التركي، بمعهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس، ديدييه بيليون، أنه منذ استقبال الرئيس الفرنسى ممثلى قوات سوريا الديمقراطية في الإليزيه، فإن التدهور في العلاقات بين البلدين يتعمق، مشيرًا إلى تصريحات وزير الخارجية التركى مولود تشاووش أوغلو واصفًا ماكرون بأنه راعيًا للإرهاب.
وفى يناير ٢٠١٨، صرح ماكرون أمام نظيره التركى لدى زيارته الإليزيه بأن وضع حقوق الإنسان في تركيا يستبعد «أى تقدم» في مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن اعتراف باريس بالإبادة الجماعية للأرمن وتخصيص يوم وطنى ٢٩ أبريل في فرنسا لذكرى مذبحة الأرمن على يد الدولة العثمانية.