الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

نقل الأعضاء من حديثي الوفاة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تأخرت مصر طويلًا في تنفيذ قانون نقل الأعضاء من حديثى الوفاة وموتى جذع المخ. ودفع الثمن آلاف المرضى المصريين الذى حكمت عليهم التقاليد والعادات المصرية بالموت البطئ.
ولقد شعرت بالغيرة المحمودة عندما أعلن وزير الصحة السعودي، الدكتور توفيق الربيعة عن نجاح زرع أعضاء من مريضة توفت إكلينيكيًا بوفاة جذع المخ، إلى ٧ مواطنين سعوديين تراوحت أعمارهم بين ٥ سنوات و٤٠ سنة. العمليات أجريت حديثًا في مستشفى الملك فهد في الدمام ومستشفى الملك فيصل التخصصى في الرياض. 
وهذا الحدث المهم له دلالات علمية ودينية عظيمة، فهو يعكس مدى التطور العلمى الهائل في منظومة الصحة في المملكة العربية السعودية الشقيقة. ومدى جاهزية الأطقم الطبية للعمل في أى وقت ولساعات طويلة، وأهم من كل ذلك هو اتفاق المجتمع الطبى والمجتمع المدنى على مشروعية نقل الأعضاء من حديثى الوفاة وموتى جذع المخ إلى المرضى الذين ينتظرون زراعة الأعضاء، وهو مالم يتحقق في مصر حتى اليوم.
وأتذكر أن كلية طب المنصورة كانت قد أقامت مؤتمرًا عن زراعة الأعضاء بين الطب والشريعة والقانون سنة ١٩٩٦، عندما كان الدكتور محمد حافظ عميدًا لكلية الطب، والدكتور عبدالعظيم وزير عميدًا لكلية الحقوق، وفى حضور شيخ الجامع الأزهر وقتها الشيخ محمد سيد طنطاوي، رحمهم الله جميعًا، وقد أفتى شيخ الأزهر يومها بأنه يجوز شرعًا نقل الأعضاء من حديثى الوفاة وموتى جذع المخ إلى المحتاجين، مع اتخاذ الإجراءات الشرعية التى تضمن عدم الاتجار بالأعضاء وعدم استغلال المرضى وموافقة المتوفى أو الأهل على التبرع بالأعضاء. فماذا حدث بعد ذلك؟ ولماذا سبقتنا جميع الدول الإسلامية والعربية؟، بينما مازلنا في مصر غير قادرين على التحرك لتنفيذ أمر بديهى أقرته كل القوانين وأجازته كل الأديان السماوية. أسئلة مازالت تبحث عن إجابات لدى الرأى العام المصرى الذى نجحت قلة قليلة من المشايخ وبعض الأطباء (مع كامل احترامنا للجميع) في أن تجهض كل محاولات نقل الأعضاء من حديثى الوفاة.
ولقد عايشت في إنجلترا في تسعينيات القرن الماضي، حملات التوعية التى قامت بها جمعيات أهلية لرعاية مرضى القلب (ومنهم السير مجدى يعقوب)، ومرضى الكبد والكلى وغيرها، بغرض حث المواطنين الإنجليز على التبرع بالأعضاء بعد الوفاة للمرضى المحتاجين. 
ولقد اختلفت ومازلت اختلف في الرأى مع بعض المثقفين الذين يحذرون المجتمع من الموافقة على نقل الأعضاء من الموتى إلى الأحياء، بحجة أن ذلك سوف يفتح الباب لتجارة الأعضاء. وهم في الواقع ولايدركون مدى الضرر الذى يلحق بالمرضى وذويهم والمجتمع من عدم تنفيذ أمر بديهى تم حسمه في كل البلدان المحيطة ومنذ أمد طويل.
ولقد تعجبت كثيرًا من آراء بعض من تناقشت معهم في هذا الموضوع، وتشددهم الزائد في أمور علمية بديهية، مثل تخوفهم من أن يتحول المرضى إلى قطع غيار للمحتاجين، وأن يتم الاتجار بأعضاء المرضى والفقراء لصالح الأغنياء، وغيرها من الحجج الواهية التى لاتمت للعلم بأى سند، وإنما تدل على عدم ثقة البعض في الإجراءات التى تم اتخاذها في قانون زرع الأعضاء الذى وافق عليه مجلس الشعب (قانون رقم ٥ لسنة ٢٠١٠)، وعدم مقدرة الأطباء والمجتمع العلمي، ورجال الدين المؤيدين (وعلى رأسهم الدكتور سعد الدين الهلالي)، على إقناع هؤلاء المتشددين، بصحة الإجراءات التى تم اتخاذها بالفعل، وعلى أن القانون والمجتمع سوف يضمنان التنفيذ الصحيح للقانون دون أى تجاوز أو استغلال.
وفى سنة ٢٠١٥، أى بعد خمس سنوات من صدور القانون ولائحته التنفيذية، وبعد استقرار الأوضاع الأمنية، تم إعادة فتح الموضوع، وأفاد الدكتور عبدالحميد أباظة، رئيس اللجنة الفنية لزراعة الأعضاء التابعة لوزارة الصحة، أنه تم اختيار 3 مراكز جامعية في جامعات القاهرة، وعين شمس، والمنصورة، بالإضافة إلى مستشفى المعادى للقوات المسلحة لإجراء زراعة الأعضاء من حديثى الوفاة، وأنه قد تم ربط هذه المراكز إلكترونيًا مع باقى المستشفيات الحكومية استعدادًا لبدء نقل الأعضاء من حديثى الوفاة إلى الأحياء.
واليوم، وبعد قرابة ٥ سنوات أخرى على هذا التحرك، مازلنا غير قادرين على تتفيذ القانون.
وأود في هذا المقال الإشارة إلى الحقائق العلمية حول زراعة الأعضاء، لعلها تساعد على إقناع البعض بأهمية وجدوى الموافقة على التبرع بالأعضاء بعد الوفاة:
١- إن زراعة الأعضاء من حديثى الوفاة إلى الأحياء أسهل جراحيًا، وأقل تكلفةً من نقل الأعضاء بين الأحياء.
2- إن طريقة تحديد وفاة جذع المخ أصبحت ممكنة ودقيقة ومتاحة وبشكل لايقبل أى مجال للشك.
3 - إن عدد المراكز المرخص لها بزراعة الأعضاء في القانون المصرى هى 32 مركزًا حكوميًا فقط من بين أكثر من 140 مركزًا كانت تمارس زراعة الأعضاء. وأنه لايوجد ترخيص لأى مركز خاص بنقل الأعضاء.
4- إن مصر من أواخر الدول التى قدمت قانونًا لزراعة الأعضاء، وأنه قانون صارم للغاية ولايسمح بأى تلاعب أو اتجار أو فساد، وأن العقوبات رادعة بشكل يجعل المخالفة شبه منعدمة.
5- إن مستشفيات جامعية كثيرة ومن بينها مستشفيات جامعة المنصورة، قد أصبحت على استعداد لإجراء جراحات نقل الأعضاء من حديثى الوفاة وخاصة بعد افتتاح مركز جراحة القلب والصدر والأوعية الدموية قريبًا، وهو المركز الذى تم تجهيزه على أعلى مستوى لنقل القلب والرئتين.
6- إن مركز جراحة الجهاز الهضمى في المنصورة، الرائد في زراعة الكبد من الأحياء، يجهز حاليًا مركزًا جديدًا لزراعة الكبد، وسيكون جاهزًا تمامًا بكل الإمكانيات التى تؤهله لزراعة الكبد من حديثى الوفاة.
7- إن مركز أمراض الكلى والمسالك البولية بجامعة المنصورة، والذى أجرى أول عملية لزراعة كلية من أم إلى ابنتها سنة ١٩٧٦، سيكون على أهبة الاستعداد لإجراء أول زراعة لكلية من متوفى إلى حي، عندما يتم التوافق المجتمعى على ذلك.
ولذا نأمل أن نتحرك سريعًا (كدولة وكمجتمع مدنى ومجتمع طبي)، لإزالة المخاوف وطمأنة الرأى العام والبدء في إجراءات زراعة الأعضاء من حديثى الوفاة إلى الأحياء.
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.