الرحمة صفة من صفات الخالق، ومن أكثر الصفات المذكورة في جميع الكتب السماوية. والرحمة تجدها من أصحاب القلوب النقية وذوات الأخلاق الكريمة والمتسامحين مع أنفسهم قبل تسامحهم مع الآخر، ولا تتعلق الرحمة بدين معين، فهى صفة إنسانية قد تجدها من اللادينيين وتجد قسوة القلب من بعض رجال الدين.
وإذا تأملت حياتك ستجد رحمة الإله في كل شيء ولكن تأمل، ستجد حينما تسقط فهى رحمة من الله لتتعلم كيف تقف مجددا، وحتى الضغوط النفسية التى تتعرض لها، فما هى إلا تأهيل لك ليشتد صلبك، ومشكلات كثيرة قد تتعرض لها وتخرج منها بتدابير إلهية، وتتعجب كيف خرجت سليما من هذه الأزمة...؟! الموت في كثير من الأوقات يكون رحمة بالمتوفى، الفشل يكون رحمة بنا لكنى نتجه ونسعى بطرق أخرى وبتكنيك مختلف تجاه ما نستهدفه، إنها رحمة الخالق التى وسعت كل شيء.
الرحمة تعنى الشعور بالآخر بمرضه، بفقره، بضعفه، بآلامه، باحتياجه، وتعنى التعامل مع الآخر بلين. الرحمة تعنى الشعور بالحيوان والرحمة به أيضا.
وهى صفة كانت معروفة عن المصريين، بأنه شعب رحيم وعاطفي، لكن حدث تغيير كبير في مجتمعنا وأخلاقنا؛ فأصبحنا ذوى قلوب قاسية ربما بسبب الانغماس في الحياة المادية، والبعد عن الفطرة والروحانيات، وربما بسبب تدين المجتمع ظاهريًا والبعد عن جوهر الدين.
لكن التغيير الذى حدث في المجتمع تغيير مخيف وصادم، فما نقرأه ونسمعه عن بعض الحوادث التى تحدث في مجتمعنا تجعلنا نشعر بالذهول، ونتساءل: ماذا حدث لنا، ما كل تلك القسوة التى أصابت قلوبنا، لماذا كل هذا الجفاء الذى بداخلنا، لماذا أصبح بعضنا من البشر الأحياء قلوبهم قد ماتت، غاب عنا «ارحم تُرحم». صحيح أن الواقعة قيد التحقيق ولكن كيف لكمسرى في قطار أن يقوم بإنزال شاب أثناء سير القطار لمجرد عدم امتلاكه ثمن التذكرة، فيسقط الشاب تحت عجلات القطار بسبب قسوة القلب السوداء، وغياب الرحمة من الركاب الذين لم يتحركوا وكأنهم متفرجون على فيلم سينمائى، مرددين بين أنفسهم «واحنا مالنا، ميخصناش، ونتدخل ليه، أكيد متسول، ما دام ممعهوش حق التذكرة ركب ليه، وكمان الـvip؟» هكذا نردد جميعًا عند رؤيتنا لأحد يُظلم أمام أعيننا، أو بنت يضايقها بعض المتحرشين.
أغلبنا دائم الشكوى من صعوبة وقسوة الحياة وقسوة الآخرين، وفقدان الثقة في غيرنا، ولا نسأل أنفسنا وقتها: هل نحن رحيمين بغيرنا حتى نجد غيرنا رحيما بنا؟! باختصار أصبحنا جميعا نستقوى على الأضعف، والأضعف يستقوى على من هو أضعف منه، الذى يستقوى أيضا على الأضعف وهكذا، نستقوى على بعض بقسوة دون رحمة.
ولعلاج هذا المرض في مجتمعنا علينا أولًا بالعودة للأخلاق التى كانت معروفة عن مجتمعنا، التأكيد على الأخلاق في المدارس والجامعات والنوادى، أن نقوم بحملات وعى أخلاقى، ثم القانون والتشريعات القانونية الصارمة، التى تحمى الضعيف من أن يستقوى عليه أحد، ثم تنفيذ القانون بكل حزم، كما أننا نحتاج لإعلام توعوى أخلاقى يحث الناس دائما على العودة لأصولنا التى تربى عليها آباؤنا.
علينا النظر لتلك المشكلة المرضية سريعا، ووضع برامج لعلاج هذا المرض بالاستعانة بالأطباء النفسيين وعلم الاجتماع ورجال الدين المسلم والمسيحي، وتنفيذ هذا البرنامج في كل ربوع مصر، فكفانا قسوة، وكونوا رحماء بغيركم ومتسامحين مع أنفسكم.