الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

«حق الكمسري» وحقوق الفقراء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مازالت قضية موت شاب بسبب «تذكرة قطار» منظورة أمام النيابة، وبالتالى لا نعرف حتى الآن تفاصيلها أو مَنْ المخطئ فيها.. لكن المؤكد أن أحد الضحايا وهو محمد عيد شاب في مقتبل حياته، بدأ العمل مبكرًا للإنفاق على أسرته الصغيرة المكونة من شقيقته ووالدته المريضة، وفقد حياته بسبب عدم تمكنه من دفع 70 جنيهًا هى ثمن تذكرة القطار، وفقد صاحبه إحدى ساقيه وسيعيش باقى عمره عاجزًا لنفس السبب، بعد أن اختلفا مع الكمسرى حول التذكرة. 
ورغم هذه الفاجعة، لكن كارثة أكبر تقف وراءها، وهى غياب التكافل الاجتماعي بين الناس وترك الأغنياء للفقراء يواجهون مصيرهم وحدهم، فالشهيد محمد، شاب محترم ومكافح منذ صغره، وحسب أهالى منطقة أم بيومى بشبرا الخيمة مسقط رأسه، فإن الابتسامة لم تكن تفارق وجهه أثناء سيره بالشارع، وقد عمل في شارع المعز في صناعة الميداليات، حتى أتقن الصنعة، وأصبح يعتمد على نفسه في صناعتها وبيعها لحسابه الخاص على شواطئ الإسكندرية لكى يبنى نفسه بنفسه ويأكل «لقمة عيش حلال»، أى أنه مواطن صالح ومجتهد ويحب بلده لكن يد التكافل في المجتمع لم تحنو عليه وتركته يسقط تحت عجلات القطار ويلقى مصرعه ويصاب زميله.
وفى تعليقه على الحادث، قال اللواء كامل الوزير، وزير النقل: «إن ما حدث لا نقبله، ونعد دورات تأهيل وتدريب وعلاج نفسى لكل العاملين في هيئة السكك الحديد كى يحسنوا التعاون مع المواطنين»، وأضاف أن «ما تقرره النيابة العامة ننفذه بمنتهى القسوة»، وهذا أمر جيد من قبل المسئول عن إدارة السكة الحديد، لكن ما نريد أن نرصده في هذا الحادث هو دور المجتمع وخاصة أغنيائه من رجال الأعمال، في دعم وتبنى الفقراء وخاصة الشباب المجتهد والطموح والذى يريد أن يكون مواطنًا صالحًا.
ففى مصر تقترب نسبة القابعين تحت خط الفقر، حسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، من 32.5%، فلو افترضا أن سكان مصر 100 مليون نسمة، فمعنى ذلك أن 32.5 مليون شخص يواجهون «وحش الفقر» وحدهم، وعلى الجهة الأخرى يقف نحو 15% أى ما يقرب من 15 مليون شخص في قائمة الأغنياء، ويمتلكون مدخرات تزيد على 10 آلاف دولار، والباقى إما من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة، وفى تقارير دولية متعددة جاءت مصر في المرتبة الثانية أفريقيا، من حيث ثروات رجال الأعمال لعام 2019، حيث تصل ثروات أغنى 10 أشخاص فيها لنحو 390 مليار جنيه، منهم 6 أشخاص «مليارديرات»، و950 «مالتى مليونير»، ونحو 20 ألف «مليونير»، ويبلغ عدد من تصل ثروتهم لمليون دولار، 16 ألفًا و700 شخص، ومن تصل لـ 10 ملايين، 870 شخصًا، ومن تصل ثروتهم لـ 100 مليون دولار، 56 شخصًا، وتحتل القاهرة وحدها المرتبة الثانية لأكثر المدن الأفريقية التى تضم الأغنياء والمليونيرات، حيث تشمل 8900 مليونير، منهم 480 يصنفون كـ «مالتى مليونير»، وهم الذين تبلغ أصولهم 10 ملايين دولار، فيما تضم الإسكندرية 1800 مليونير.
والإشارة إلى هذه الأرقام ليس من قبيل الحقد أو الحسد لأصحاب الثروات أو رجال الأعمال بقدر ما هو تشريح للمجتمع من حيث أغنيائه وفقرائه، ودور الأغنياء منهم في الأخذ بيد الفقير والتضامن معه، حتى يصبح مواطنًا نافعًا في المنظومة الوطنية التى تعود بالنفع أيضًا على الأغنياء في النهاية، فبالتأكيد يعود انخفاض معدلات الجريمة والإرهاب بالنفع على رجال الأعمال وجعلهم ينفقون أموالًا أكثر على الشركات الأمنية لحماية مشروعاتهم.
ففى الوقت الذى ينعم به هؤلاء بخيرات بلدهم، يعانى فقراء هذا البلد من ظروف معيشية صعبة، وتحتاج الدولة من أبنائها وخاصة الميسورين منهم، لمد يد العون والمشاركة في التنمية المجتمعية، ودعم المستشفيات والمدارس وغيرها، كما في دول العالم المتقدم، حيث يدرك رجال الأعمال والشركات، دورهم المحوري، من خلال الاشتراك مع الحكومة، في مساعدة ودعم محدودى الدخل، بتخصيص جزء من أرباحهم، لخدمة المجتمع الذى يعيشون فيه، كونهم جزءًا منه، وذلك برضى نفس وضمير مرتاح.
وتظهر أهمية رجال الأعمال، في أنهم فئة اقتصادية، لديها رأسمال تستطيع تسخيره لصالح التنمية الاجتماعية، لمساعدة الدولة، في مشروعاتها التنموية، لكن من الواضح أن دور رجال الأعمال في هذه التنمية ما زال متوقفًا عند الجهود الفردية المبعثرة والشو الإعلامى في بعض الحالات.
ومؤخرًا استحدث قانون الاستثمار، حكمًا بشأن ما يسمى بالمسئولية المجتمعية للمستثمر، بأنه «يجوز للمستثمر تخصيص نسبة من أرباحه السنوية لاستخدامها في إنشاء نظام للتنمية المجتمعية، مع إعفائه ضريبيًا عن نسبة مساهمته المجتمعية». 
وفى نظرة أوسع، نجد الكثير من رجال الأعمال المشهورين بثرائهم حول العالم، هم من أصول مصرية، ويتركز معظمهم في أمريكا وبريطانيا ومعظمهم لم يولد في هذه البلاد، ورغم ذلك يساهمون في تنمية مجتمعاتهم الغربية، ولا ينظرون إلا قليلًا لموطنهم الأصلي.
وهناك خلط كبير بين المسئولية الاجتماعية، و«الإحسان» أو فعل الخير، فالأخير لا يرتبط بشكل مؤسسى بعملية التنمية، على عكس المسئولية الاجتماعية في الدول المتقدمة، التى تأخذ الطابع المؤسسى المنتظم والمرتبط بالشعب وخططه التنموية، وفى مقولة لرجل الأعمال الأمريكى وارن إدوار بافيت، الذى تبرع بـ 30.7 مليار دولار للأعمال الخيرية: «نحن نؤمن بأن الثروات التى تتدفق من المجتمع يجب أن تعود في جزء كبير منها إليه، لأنه مسئول عما حققناه من إيرادات».
وأخيرًا، نقول إن حادث القطار الأخير، والذى مات فيه شخص فيما يعرف بـ«شهيد التذكرة»، وإصابة آخر، ما هو إلا جرس إنذار لكل المجتمع لأن يتضامن، مع فقرائه وخاصة الشباب الباحث عن فرصة عمل.