الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

قمة «سوتشي» تعيد رسم خريطة التفاعلات في الشمال السوري

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهد الثلاثاء الماضى في «سوتشي» قمة روسية - تركية، بين الرئيسين الروسى فلاديمير بوتين والتركى رجب طيب أردوغان، للتباحث حول مستقبل العملية العسكرية التركية (نبع السلام)، في الشمال السوري، ومستقبل التسوية السياسية والعسكرية، ووفق ما أعلنه الكرملين، فإن هناك تخوفات روسية بشأن العواقب الإنسانية المحتملة للحملة التركية في شرق الفرات، وأن العملية التركية في شمال شرقى سوريا تسببت في زيادة مستوى التداخلات والتوتر في المنطقة، الأمر الذى سيكون محور مهم ضمن أجندة المفاوضات المقررة بين الرئيسين بوتين وأردوغان في سوتشى بجنوب روسيا.
تفاعلات متداخلة
هناك مؤشرات عدة على أن العملية العسكرية التركية في الشمال السورى أفرزت بيئة تفاعلية جديدة، لم تكن حاضرة من قبل، فبعد أن كانت منطقة الشمال السورى تحت سيطرة ونفوذ ٣ فاعلين، إلا أنه ظهر مؤخرًا فاعلين آخرين، فتحولت السيطرة من الولايات المتحدة وتركيا وقوات سوريا الديمقراطية التى كانت تستحوذ بصورة كاملة على هذه المنطقة، إلى عدة دول أخرى؛ حيث تمكنت روسيا وقوات النظام السورى من الاتفاق المبدئى مع الأكراد، بتواجد القوات السورية في مناطق عين العرب كوبانى ومنطقة منبج بمعاونة الدعم الروسي، بالإضافة إلى الانسحاب الأمريكى من مناطق الشمال السوري، تجاه العديد من المناطق في سوريا والعراق.
وفى هذا الإطار، شهدت منطقة الشمال السورى الكثير من المخرجات،سواء فيما يتعلق بخريطة التفاعلات الداخلية السورية، أو على مستوى التفاعلات الإقليمية والدولية، ومن ثم تداخلت التفاعلات بين القوى الأوروبية والولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا والأكراد باعتبارهم القوى الفاعلة في تلك المعادلة المتشابكة، وإن كان هناك تباين كبير بين حدود الدور المتعلق بكل جانب، وحجم المكاسب والخسائر على خلفية العملية العسكرية التركية هناك.
نتائج قمة سوتشى ٢
على الرغم من أن الاتفاق المعلن لوقف العملية العسكرية التركية كان بين الجانب الأمريكى والتركي، إلا أن الرئيس التركى أردوغان يدرك بالدور المحورى الذى أصبحت عليه روسيا في هذه المنطقة، بعد وساطتها بين النظام السورى والمكون الكردى فيما يتعلق بالتواجد العسكرى السورى والروسى في هذه المنطقة التى لم تكن متواجدة داخلها منذ عام ٢٠١٤؛ حيث أعلنت أنقرة أنها ستوقف عمليتها العسكرية في سوريا، بعد توصلها لاتفاق مع روسيا خلال أردوغان إلى سوتشي، حيث أبرم اتفاقًا مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين حول تحويل الصيغة المؤقتة للاتفاق الأمريكى التركي، إلى صيغة دائمة للاتفاق التركى الروسي.
ومن ضمن البنود المهمة في الاتفاقية بين الجانبين، يتمثل في تأكيد الطرفان أهمية «اتفاق أضنة»، وستقوم روسيا الاتحادية عند اللزوم بتقديم التسهيلات لهذا الاتفاق، ويعد هذا الاتفاق أحد الأوراق السياسية التى تحاول بها موسكو أن تمهد لحلحلة الأزمة السورية سياسيًا، كبديل عن المناطق الآمنة التى اقترحتها تركيا والولايات المتحدة، بإقامة منطقة عازلة بعمق اثنين وثلاثين كيلومترًا، إلا أن موسكو تسعى إلى الوصول إلى تطبيق هذا الاتفاق من خلال العمل مع الأطراف الفاعلة على الأراضى السورية خاصة أنقرة، حيث قدمت موسكو إلى أنقرة اقتراحًا بتفعيل اتفاق أضنة الذى يعود إلى عام ١٩٩٨، ويسمح للجيش التركى بالتوغل شمال سوريا بعمق ٥ كيلو مترات فقط، كما أن هذا البند سيحقق العديد من الأهداف المستقبلية أهمها، أنها ستكون مدخلًا مهمًا لحل المشكلات العالقة بين دمشق وأنقرة،
حيث سيتعين على النظام التركى التعامل الرسمى مع النظام السورى بشكل مباشر بهدف الوصول إلى تفاهمات حول هذه الاتفاقية، وبذلك تمثل الاتفاقية اعترافًا رسميًا من جانب أنقرة بالنظام السوري، بعد أن كانت لا تعترف به مطلقًا في السابق.
كما أن الاتفاق على هذه البنود الواردة في الاتفاقية، لن تسمح لتركيا بتحقيق هدفها المتعلق بالمنطقة الآمنة بالشراكة مع واشنطن، خاصة في ظل الرفض الروسى والسوري، وبذلك يحقق النظام السورى ومعه روسيا بالعديد من الأهداف المتعلقة بسيطرة القوات الحكومية السورية على تلك المنطقة وتأمينها وهو ما سيؤدى إلى خروج الأتراك من هذه المناطق، خاصة بعدما أدى قرار الانسحاب الأمريكى إلى تعزيز حملة الجيش السورى المدعوم من روسيا، لإعادة فرض السيطرة على البلاد.
مقترح أوروبي
أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين، عن مبادرة بخصوص إنشاء منطقة آمنة على الحدود السورية التركية، تشرف عليها موسكو وأنقرة، والتى أعلنت موسكو بأن السماح للقوات التركية بالبقاء في سوريا، هو أمر يمكن للحكومة الشرعية السورية فقط أن تقرره.
ولعل الموقف الأوروبى يختلف بصورة جذرية عن الموقف الأمريكى المتذبذب حيال الموقف من تركيا ويمكن إرجاء ذلك، إلى أن الدول الأوروبية تحاول التحرك بصورة منفردة تجاه الأوضاع في سوريا، بعدما أدركت بأن واشنطن تتحرك وفق آلياتها الخاصة، التى تغفل الكثير من مصالح الدول الأوروبية التى تمتلك العديد من الأهداف في هذه المنطقة، خاصة أن في ظل ازدياد المخاوف الأوروبية من أن تؤثر العملية على النجاحات التى تم تحقيقها من قبل، المتعلقة بالقضاء على تنظيم داعش، خاصة أن الأكراد يمثلون القوى الميدانية التى حاربت التنظيم، وعلى خلفية هذه التخوفات، دعت العديد من الدول الأوروبية تركيا بوقف هجومها على شمال شرق سوريا، معربين عن خشيتهم من أن تؤدى العملية العسكرية التركية إلى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة.
إعادة رسم خريطة التفاعلات
إن التداخل الدولى والإقليمى في منطقة الشمال السورى أفضى إلى العديد من المخرجات، التى من شأنها أن تؤثر في مسار التفاعلات الإقليمية والدولية، ولعل أبرز تلك المظاهر:
١) المكاسب الروسية- السورية: يعد التواجد السورى والروسى في مناطق الشمال السورى تغيرًا كبيرًا في خريطة التفاعلات في هذه المنطقة، الأمر الذى سمح بالتأثير في المعادلة السياسية في هذه المنطقة بعدما كانت الولايات المتحدة وتركيا والأكراد يستحوذون على هذه المساحة الجغرافية، كما أن الاتفاق التركى- الروسى في سوتشي، فتح الباب أمام إمكانية زيادة فرص هذا التأثير في المستقبل القريب.
٢) تراجع النفوذ الأمريكي: لا شك إن قرار الانسحاب الأمريكى من مناطق الشمال السورى قبل العملية العسكرية التركية، أوجد بيئة صالحة لملء هذا الفراغ، خاصة أنها لم تقدم الدعم المطلوب للقوات الكردية الحليف القوى لواشنطن داخل الأراضى السورية، وبالتالى اتجه الأكراد نحو التعاون مع الجيش السورى من خلال الوسيط الروسى لملء هذا الفراغ، واستبدال القوات الكردية بأخرى سورية لمواجهة التدخلات التركية، ما أفضى في النهاية إلى تهميش الوجود الأمريكى في هذه المنطقة وزعزعة الثقة في القرارات الأمريكية.
٣) تنامى الدور الأوروبي: يعد الموقف الأوروبى من أكثر الأدوار التى أثبتت فاعليتها في هذه المنطقة، وإن كانت تحركاتها جاءت بصورة منفردة، إلا أنها كان لها تأثير مضاعف على مجريات التفاعلات في هذه المنطقة، وبرغم عدم التواجد الأوروبى بصورة مكثفة في الداخل السورى إلا من خلال التحالف الدولي، إلا أن هناك دولا أوروبية تبحث عن تأثير فعال في سوريا، وخاصة فرنسا.
٤) المساومة التركية: حاولت تركيا الاستفادة من كافة الأدوار المتناقضة من جانب الولايات المتحدة وأوروبا والجانب الروسى لتحقيق أكبر قدر من الأهداف من وراء عمليتها العسكرية نبع السلام، ولكن عند النظر إلى الواقع الميدانى في منطقة الشمال السورى بالنسبة لتركيا، فإن أنقرة لم تتمكن من تنفيذ أهدافها بصورة كاملة، فيما يتعلق بحدود المنطقة الآمنة بطول ٤٨٠ كم، وبعمق ٤٠ كم، إضافة لذلك فإن السيطرة التركية على بعض المناطق الجديدة في الشمال السورى لن تكون قادرة على ضمان استمرار سيطرتها، خاصة أن هناك توجه من جانب روسيا نحو إحكام السيطرة الكاملة على هذه المناطق، تمهيدًا لتحقيق التسوية السورية الشاملة.
٥) المكون الكردي: تعد قوات سوريا الديمقراطية الخاسر الأكبر من هذه العملية برغم توقف العمليات العسكرية التركية؛ لأنها لم تتمكن من الاحتفاظ بالمناطق التى كانت تسيطر عليها بصورة كاملة، إضافة إلى عمليات النزوح التى تعرضوا لها جراء هذه العملية، كما أن هذه العملية تسببت في تغيير خريطة التفاعلات الكردية بالتحول من الولايات المتحدة إلى الجانب الروسى والسوري.
ختامًا: انعكست تداعيات العملية العسكرية التركية في الشمال السورى إلى تعقيد المشهد الداخلى والإقليمى والدولى في مسار العلاقات البينية، بين العديد من الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية، الأمر الذى أوجد فرص لبعض الفاعلين وقيود أمام الفاعلين على الجانب الآخر، ولعل هذه التغيرات ستؤثر في عملية التسوية السياسية السورية بصورة كبيرة، بل وستمتد تداعياتها على عدة ملفات أخرى على المستويين الإقليمى والدولي.