السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إبداعات| «كثبان السكر».. قصة قصيرة لـ«محمد عبد العال»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انحنيت أفتش عن حذائى أسفل السرير، لفت نظرى خيط أسود من تراب ممزوج بحبيبات رمل متناهية الصغر بجانب أحد أقدامه، افترشت الأرض مدققا النظر لأجد طابورًا من النمل يعتليه بنظام لافت، تزايد النمل من حيث لا أدرى كأنه يتدافع من فوهة العدم.
سريعًا أصبح الطابور طابورين بنفس الأداء الرائع، ثم حركة زجزاج بارعة بطول الطابورين المتقابلين، ارتطام بسيط ببعضهن البعض في جزء من الثانية، بتوافق حركى بديع، وبذلك يتبادلن الرسائل للحفاظ على هذا النظام المحكم هكذا قرأت من قبل.
مضى وقت وأنا منبهر باللوحة الحية التى أمامي، أطلقت سهام البصيرة مؤازرة سهام البصر خلال تلك المدة، فلم أر نملة لا تعمل ومحال التفريق بين قوى وضعيف بينها.
ترى أيشعر أحد بجمع مثل هذا بوحدة أو ضياع؟!
جمعٌ كهذا إن حلت بهم كارثة كيف يتعاملون؟!
فورًا قرنت القول بالفعل، بعثرت، بيدى الخطين بما عليهما، ما هى إلا ثوان وعادت اللوحة لوضعها السابق، ألم يكن أفضل بسرعة ودقة متناهية.
هل ما يجبل عليه الكائن أفضل؟! أما يملك فيه الاختيار؟!
نهضت من مكانى مبتهجًا بتلك اللوحة التى خففت بعض الشيء وطأة إحساسى بالضياع، علق بيدى بعض النمل، خطر لى خاطر عجيب! قررت مكافأتهم نظير إبهاجهم لي.
دخلت المطبخ، أحضرت علبة السكر، نفضت يدى أعلاها فتناثر النمل داخلها، ها أنا أقدم لهم طعامًا مجانيًا بوفرة دون تعب أو مشقة، أخذت النملات الصغيرات تختفى وتظهر بين ثنايا كثبان السكر، ثم تسلقن تباعًا جدار العلبة الداخلى فارين من السجن الأبيض دون أن يأخذن شيئا معهن وقفت ذاهلًا، فجأه اتضح لى أمرا، لقد هدمت اللوحة البارعة التى أبهجتني، مفرقًا جمعًا أدهشنى تمساكه معطلًا نظامه ظنًا منى أنى أكفائه!
شعرت بغصة شديدة بحلقي، عاودنى الإحباط ثانية، حقًا هل أنا بهذا الضعف؟!
أعجز حتى عن مكافأة جمع من النمل! لكن النمل أيضا كائن ضعيف، ما عساه أن يقدم لي!
انتابتنى رعدة غضب وأنا أحدث نفسي.
ماذا يملك ضعيف لضعيفٍ في عالم استأسد فيه الحرمان وتعاظمت المنفعة البحتة؟!
لم أجد أجابة لسؤالي، فنفضت الأمر برمته عن عقلي، وشرعت في عمل كوب من الشاي، فتحت عين البوتاجاز، أشعلت عود الثقاب فانطفأ سريعًا، كان آخر عود بالعلبة قلبت المطبخ رأسا على عقبٍ بحثا عن كبرىت فلم أجد، بعد فترةٍ من البحث وجدت علبة تحت وسادتى بغرفة النوم، رجعت للمطبخ ثانية، عند إشعالى عود الثقاب لدغتنى نملة بجفنى في توقيت مذهل فأشحت بوجهى للجهة المعاكسة بحركةٍ لا إراديةٍ في نفس الثانية التى اندلعت فيها كرة عظيمة من النار مرقت بسرعة خاطفة بالمكان الذى جنبته وجهى للتو، لتضرب قطعة المطبخ الخشبية فوقي، لأنجو من موت أو تشويه مؤبد، فقد نسيت العين مفتوحة مدة بحثى عن علبة الثقاب فتسرب الغاز وملأ المطبخ، سريعًا أغلقت الغاز فتحت نافذة المطبخ لتجديد الهواء.
جلست بالصالة متهدج الأنفاس، غير مصدقٍ ما حدث منذ قليل، فلم أكن أتوقع أن يجيب القدر عن سؤالى بهذه السرعة.