تحتفل مصر ومعها أمتها العربية اليوم السادس من أكتوبر 2019 بذكرى مرور نحو 46 عامًا على نصر أكتوبر 1973 المجيد.. وقد جاء اليوم الذى قال عنه الرئيس الراحل وبطل الحرب والسلام أنور السادات.. «ربما جاء يوم نجلس فيه معا لا لكى نتفاخر ونتباهى، ولكن لكى نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة وآلامها وحلاوة النصر وآماله، نعم سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا في موقعه، وكيف حمل كل منا أمانته، وأدى دوره، وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب، وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام، ليحملوا مشاعل النور، وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء».
فالحديث عن البطولات العظيمة التى قام بها المقاتل المصرى في مواجهة العدو الإسرائيلى يتناولها الكاتب الصحفى البارز والمتخصص في ثقافة وأدب المقاومة محمد الشافعى، في كتاب «بطولات تتحدى الزمن»، والصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. والتى تناول من خلالها التضحيات والبطولات العظيمة للفريق محمد فوزى، والفريق محمد صادق مايسترو العلميات الخاصة، وأمير الشهداء إبراهيم الرفاعى، والشهيد أحمد حمدى، واللواء محمد عبد المجيد عزب صائد الغواصات، والمقاتل محمد عبده موسى الفهد الأسمر، والبطل حسنى سلامة «الكنجارو المرعب»، والبطل محمد العباسى الذى رفع أول علم لمصر على خط بارليف، وغريب تومى البطل النبيل... وغيرهم من الأبطال العظماء الكثير.
وانتصار أكتوبر ابن شرعى لحرب الاستنزاف العظيمة.. وينتمى لعائلة عظيمة من البطولات.. سواء تلك البطولات التى صنعها الأجداد في العصور القديمة.. أو بطولات العصر الحديث التى بدأت بالتصدى للحملة الفرنسية.. وتواصل العطاء الوطنى إلى أن تم تتويجه بثورة يوليو المجيدة.. وبعدها بطولات صد العدوان الثلاثي.. حتى وصلنا إلى الاستنزاف.. ومنه إلى العبور العظيم..
فالخطوات الأولى لانتصار أكتوبر.. قد بدأت أثناء معارك يونيو 1967، فالجيش المصرى العظيم تعرض لظلم رهيب في تلك المعارك.. بعد أن خذله قادته العسكريون بقرار الانسحاب المتسرع وغير المدروس.. فلم يأخذ أبطال القوات المسلحة حقهم الطبيعى في مواجهة عدوهم..
وفعل الجيش المصرى العظيم ما لم ولن يفعله أى جيش في العالم.. حيث قام من الانكسار إلى المقاومة في أقل من 25 يومًا.. بعد أن استطاعت فصيلة صاعقة مكونة من 30 مقاتلًا.. أن تصد هجوما كاسحا للعدو بالدبابات والمشاة والمجنزرات لاحتلال مدينة بور فؤاد في محاولة يائسة من الصهاينة لاحتلال كل سيناء «بور فؤاد» تتبع بورسعيد إداريًا.. وتتبع سيناء جغرافيًا.. وليس هذا فقط، ولكن الصهاينة كانوا يريدون مساومة مصر على فتح قناة السويس.. واقتسام الإيرادات بالنصف.. ولكن أبطال الصاعقة في معركة «رأس العش».. استطاعوا أن يلقنوا ذلك العدو المغرور درسا لن ينساه أبدا.. وبعد «رأس العش» توالت معارك الاستنزاف على مدى 1041 يوما شهدت آلاف العمليات..
فكل الأعمدة التى قام عليها البناء الشاهق لانتصار أكتوبر تم تشييدها بالكامل أثناء حرب الاستنزاف، فمدفع المياه الجبار الذى قضى على خط بارليف.. وجعلنا نفتح من 60 إلى 70 ثغرة.. في هذا الخط الرهيب في أقل من ثمانى ساعات، من قدم فكرته هو المقدم زكى يوسف في مايو 1969.. وتمت الموافقة عليها من جمال عبد الناصر في أقل من أسبوع ليتم اعتمادها وتجربتها.
وحائط الصواريخ ذلك الهرم الشامخ الذى قطع ذراع الصهيونية الطولى «الطيران».. والذى جسد حقيقة مقولة «الجيش والشعب أيد واحدة» من خلال مشاركة الآلاف من العمال المدنيين في إنشاء الدشم.. واستشهاد المئات منهم.. ذلك الحائط الرهيب تم الانتهاء منه في 30 يونيو 1970، وتحرك على مواقعه التى حارب فيها خلال أكتوبر 1973 ليلة الثامن من أغسطس 1970 تاريخ قبول «مبادرة روجرز» بالوقوف المؤقت للمعارك. كما أن السلم الخشبى الذى ساعد آلاف الجنود المصريين على تسلق الساتر الترابى «12 مترًا» ابتكره الضابط هشام عطية عام 1969، وأيضا الخلطة السحرية التى أغلقت أنابيب النابالم ابتكرها الضابط أحمد المأمون في 1969.
إن حرب أكتوبر لن تكون آخر الحروب.. كما ردد الرئيس السادات ذلك كثيرًا.. وحتى لا يفاجئنا عدونا بالحرب الجديدة.. علينا أن ندخل معه في معركة «الصراع الحضارى» فنصلح من تعليمنا المهترئ.. ونسعى إلى إيجاد بحث علمى حقيقي.. يخلق نهضة صناعية وزراعية.. تؤدى إلى وجود اقتصاد صلب يرفع راية الوطن ويحفظ كرامة المواطن.
والأهم من كل هذا أن نتعلم من أبطالنا وشهدائنا.. أن «لذة العطاء» أعظم كثيرًا من «لذة الأخذ» فقد أعطوا كل شيء.. وأغلبهم لم يأخذ أى شيء.. ولكنهم ظلوا دائما الأكثر عشقا وعطاء لهذا الوطن.. وحتى عندما يذهب البعض منا ليلقى عليهم بعض الضوء.. يجد نفسه في «هالة النور» فهم البهاء النبيل الذى نلتمس منه الضوء.. فهم القدوة الشريفة والنبيلة التى يجب أن نسير على دربها.. وأن نستلهمها أو حتى نستنسخها.
وللحديث بقية..