يتابع البروفيسور جيفرى وورو أستاذ التاريخ العسكرى البارز بجامعة تكساس الأمريكية، والذى يعد من أهم الأكاديميين فى الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال الدراسات الاستراتيجية، ومؤلف كتاب «الحرب والمجتمع فى أوروبا»، وكتاب «الرمال المتحركة.. سعى أمريكا إلى السيطرة على الشرق الأوسط»، والذى نقله إلى العربية صلاح عويس، والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة، بقوله: «كان المنفيون العراقيون الذين ضمتهم منظمتا علاوى والجلبى سعداء للغاية بإمداد إدارة بوش «بحقائق» مرعبة عن برنامج أسلحة صدام والعلاقات مع الإرهاب. وبعد ١١ سبتمبر أشار بوش كثيرًا إلى اكتشاف الاستخبارات البريطانية أن صدام يستطيع إطلاق أسلحة دمار شامل محملة فى صواريخ بعيدة المدى خلال خمس وأربعين دقيقة. وكان هذا الإعلان أكذوبة باعتها للبريطانيين الرابطة الوطنية العراقية بزعامة علاوى، بينما نشر خضر حمزة أحد مؤيدى المؤتمر الوطنى العراقى بزعامة الجلبى، كتابًا مثيرًا فى الولايات المتحدة فى عام ٢٠٠٠ عنوانه: «صانع قنابل صدام»، (وأضيف إليه عنوان فرعى صارخ هو: القصة السرية المرعبة لأجندة الأسلحة النووية والبيولوجية العراقية)، وفى وقت لاحق رفض العارفون ببواطن الأمور الكتاب باعتباره «احتيالا تؤكده الوثائق»، واعتبار صاحبه «كذابا محترفا». وقد وضع هذا الكتاب صاحبه فى جولة كمؤلف وناقل كاذب على شاشات التليفزيون «الحقائق» زائفة تمامًا عن برنامج صدام للأسلحة النووية التى اكتملت تقريبا. وأكد المنفى أن علماء سوفييت سابقين وعلماء من ألمانيا الشرقية كانوا فى البلاد ويعملون على مدى الساعة، وأن أجهزة الطرد المركزى تدور، وأن العراق أصبح قريبًا جدًا من امتلاك هذه الأسلحة، ويحتاج الأمر إلى إيقافه «الآن»، قبل أن تضيع الفرصة. غير أن حمزة كان يتسكع فى المنفى منذ عام ١٩٩٤، وعاش فى ضواحى فيرجينيا خارج واشنطن، كذلك كان لا يعرف إلا القليل جدًا عن الحالة الحقيقية لبرامج أسلحة الدمار الشامل فى العراق، التى كانت تتلاشى ولا تتصاعد، فقد أدت ثمانى سنوات من العقوبات إلى حرمانها تماما من المواد اللازمة لها. كما أن عملية ثعلب الصحراء التى شنها كلينتون، إضافة إلى الغارات الجوية التى أطلقها بوش عام ٢٠٠٢، دمرت معظم البنى التحتية الحاسمة بالنسبة لها.
ومع اقتراب الحرب استؤنف الحديث عن علاقة صدام بالقاعدة، ولكن لأسباب لا يمكن تفسيرها إلا بأنها عملية تكثيف للضغط الأمريكي. ولما طرد أعضاء القاعدة الفارون من أفغانستان تحت ضغط القصف الأمريكى مثل أبى مصعب الزرقاوى، لجئوا إلى ملاذ فى أرض محصورة لجماعة «أنصار الإسلام» السلفية، وهى منطقة إسفينية من عشر قرى فى كردستان العراق بالقرب من الحدود مع إيران، سمح بها صدام لأنه ظل بعيدًا بفعل المنطقة التى تراقبها الدوريات الأمريكية، وكذلك لأنه كان مهمومًا بالغزو الأمريكى الوشيك. كذلك حقق ضغط بوش على العراق أمرًا لم يكن يقبله العقل من قبل، ذلك أن صدام العلمانى القوى الذى لم يكن لديه متسع من الوقت للإسلاميين انتهى إلى اعتبار الجهاديين مثل: أنصار الإسلام والقاعدة، عوامل مفيدة محتملة فى تنظيم حملة تمرد وإلحاق الهزيمة بالقوات الأمريكية وحلفائها من الشيعة والأكراد. وكان من الخطأ الجزم بأن صدام حسين رحب بالقاتلين الأجانب أو رغب فى وجودهم بالعراق. ومع إرباك وإضعاف صدام أصبحوا هناك بفضل جهودهم الخاصة لا بفضله هو، ولكن البيت الأبيض لم يعتبر هذا الفارق مهمًا.
وذكر خبير ببواطن الأمور فى واشنطن عام ٢٠٠٥، أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كان يتم تقليصها بشكل متزايد لتلعب دور «المسهل للسياسة الصادرة عن الرئيس بوش ونائب الرئيس ديك تشينى». وكان يتم تلفيق السياسات فى البيت الأبيض، ثم يتم قطف المعلومات الاستخبارية المؤيدة لها من ملفات «السى آى إيه». وقد سخر البيت الأبيض ومكتب الخطط الخاصة من احتراس المحللين مما سمّوه «المجتمع القائم على الحقيقة»، وظن بوش ومساعدوه أن الأكثر حصافة هو خلق «حقيقة بديلة» قد تكون أكثر دقة فى إظهار المخاطر العراقية.
وشارك بوش فى حملة ترويع إسرائيلية بالغت فى تصوير خطر أسلحة الدمار الشامل العراقية. وسافر بنيامين نتنياهو رئيس وزراء حزب الليكود السابق إلى واشنطن فى أبريل ٢٠٠٢، ليقابل أعضاء مجلس الشيوخ والصحفيين ليحذرهم من أن صدام كان ينجز «صناعة قنابل نووية توضع فى حقيبة السفر وفى حقيبة الكتب»، ويمكن نشرها فى جميع أنحاء الولايات المتحدة. وتبع ذلك استعراض لموكب كبار الشخصيات الإسرائيلية، فقال شمعون بيريز لشبكة سى إن إن فى مايو ٢٠٠٢ إن «صدام حسين رجل بنفس خطورة بن لادن» وإن الولايات المتحدة لا تستطيع أن «تجلس وتنتظره».
ونشر إيهود باراك مقالا فى صحيفة «واشنطن بوست» فى شهر يونيو، يحرض فيه بوش على «التركيز على العراق وإطاحة صدام حسين. وسوف يكون هناك عالم عربى مختلف بعد رحيله». وكان ذلك «العالم العربى المختلف» هو رؤية المحافظين الجدد الساذجة لعراق ديمقراطى يحكمه العراقيون الشيعة الذين سوف يبترون (من وجهة نظرهم) الخطرين السنيين الكبيرين: القومية العربية والإرهاب السنى.