يبدو أن ثلاثة أعوام التحق خلالها غالبية المصرين "وأعني تحديدا من أسمتهم النخبة "حزب الكنبة" بمدرسة السياسة حيث تلقوا دروسا وعلوما ربما تفوق تلك التي تزدحم بها رسائل الماجيستير والدكتوراة ومعاهد العلوم السياسية ؛ لم تكن كافية ليدرك بعض الساسة والمثقفين أن زلزالا هز وعي ووجدان هذا الشعب علي نحو مكنهم من معرفة الطريق الصحيح للثورة التي تحرر الوطن ليس من الفساد والاستبداد فقط وانما ايضا من مخططات ومؤامرات دولية وإقليمية ارادت له الشتات وحياة الاستعباد تحت وطأة الاحتلال الاخواني .
لم تبرح هذه النخبة بعد فهمها القديم لغالبية المصرين الذين من المفترض انها تمارس السياسة وتناضل من أجل حياة أفضل لهم , وتعتقد انها تخاطب جماهير ما قبل 25 يناير 2011 علي نحو يظهرها متخلفة عن ركاب الوعي العام .
اعراض هذا التخلف تتجلي في قراءة وفهم بعض النخبة لحب الناس للمشير عبدالفتاح السيسي , فعلي الرغم من اقتناعهم الاكيد بأن الرجل هو الانسب من الناحية الموضوعية لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة إلا انهم يذهبون في تفسيرهم لهذا الحب العارم إلي أن المصرين لايزالون يعشقون صناعة الفرعون , وكأن هذا الحب نشأ مرتبطًا بشخص السيسي وليس بما بمواقفه الشجاعة هم لا يعون أن الحب الاول للوطن ومن أجله احبوا الرجل الذي تقدم صفوفهم راسه علي كفه كما يقول المثل .
هذه القراءة الخاطئة دفعت اصحابها إلي التماهي مع الدعاي السوداء للجماعة الارهابية بشأن عودة الدولة البولسية والتضيق علي الحريات العامة وراحوا يبالغون في مخاوفهم تلك علي نحو جعل خطابهم ودون قصد ووعي يربط بين مجرد ترشح السيسي للرئاسة وتراجع الديمقراطية وحقوق الانسان .
ليس ذلك فحسب فقد ذهبت بعض النخبة المؤيدة أصلا للسيسي كرئيس إلي المبالغة في مخاوفها من عودة رموز نظام مبارك بسبب ظهور بعضهم في مشاهد احتفالية مختلفة تطالب وزير الدفاع بالترشح في الانتخابات الرئاسية , ووصل الامر إلي حد صراخ بعضهم صباح مساء معلنا عودة فلول الحزب الوطني بمنظومة الفساد كاملة غير منقوصة.
قد نفهم وجود بعض تلك المخاوف ولكن علي أن تكون بحجمها الحقيقي لان المبالغة فيها تكرس مرة اخري لدعاية الاخوان التي تقول إن الثلاثين من يونيو ثورة فلول مبارك علي نظام مرسي الديمقراطي .
خطورة مثل هذا الخطاب تكمن في انه يعتبر في جوهره أن ملايين ثورة الثلاثين من يونيو انما خرجت لاستعادة ركود نظام مبارك وأن الملايين التي صوتت بنسبة 98.1% للدستور كانت منقادة لما يسميه الاعلام العسكر , وانها قتلت الحالة السياسية التي كانت تعيشها البلاد في كنف حكم مرسي.
بعبارة اخري هذا ينظر لجميع المصريين بوصفهم فلول نظام مبارك.
بعض اولئك لاسيما قادة الاحزاب المدنية تنتابهم مشاعر الغيرة من هذا الحب العارم للمشير عبدالفتاح السيسي رغم ان الساحة قد خلت وتطهرت ما كانوا يسمونه حزب أمن الدولة وجماعة الاخوان المسلمين فشلوا في إقناع غالبية المصريين بقدرتهم دون وعي منهم بان المشكلة تكمن في عدم فهمهم لمعادلة السيسي وحزب الكنبة الباحث عن قائد مخلص يحقق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وقد وجد في السيسي سمات الجندي القادر والراغب في تحقيق امانيهم.
هؤلاء لم يصل لوعيهم إن السيسي إنما يقدم نفسه جنديا مخلصا لعمله حيث كان في وزارة الدفاع أو قصر الاتحادية يلتزم باوامر قائده الأعلي "الشعب المصري " غير عابيء بعبث المنافقين والمتملقين وغير طامح بزعامة زاعقة , هذا ما رايناه في حربه علي الارهاب وما سنراه إن جلس في قصر الاتحادية ليخوض معركة الديمقراطية وتنمية المواطن.