يتابع البروفيسور جيفرى وورو أستاذ التاريخ العسكرى البارز بجامعة تكساس الأمريكية والذى يعد من أهم الأكاديميين فى الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال الدراسات الاستراتيجية، ومؤلف كتاب «الحرب والمجتمع فى أوروبا» وكتاب «الرمال المتحركة.. سعى أمريكا إلى السيطرة على الشرق الأوسط» والذى نقلة إلى العربية صلاح عويس والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة بقوله: لقد غيرت هجمات القاعدة فى يوم ١١ سبتمبر الرئيس بوش، وكانت رئاسته آخذة فى الشحوب حتى وقعت هذه الهجمات فانتعشت فى ظل هذه الصدمة المروعة، وقفزت شعبيته من ٥٥٪ إلى ٩٢ ٪ ومنت يقينا ذاتيا لدى الرئيس بأنه المخلص المنتظر. وقال بوش لمساعده السياسى كارل روف: «أنا هنا من أجل رسالة، وسوف أنتهز الفرصة لإنجاز أهداف عظام» ولم يكن بوش يتحدث عن أرباح أدوية الوصفات الطبية أو وجبات الغذاء المدرسية، بل كان يتحدث عن أمر فى مرحلة الحمل هو «مبدأ بوش» للقضاء على الإرهاب ونشر الحرية. وقال لمشيعى جنازة الضحايا فى الكاتدرائية الوطنية يوم ١٤ سبتمبر ٢٠٠١: «مسئوليتنا من أجل التاريخ واضحة: أن نرد على هذه الهجمات وأن نخلص العالم من الشر».
وحول الجيش الأمريكى تركيزه إلى العراق حتى وهو يطارد بن لادن. وكان هذا التحول جاريا لعدة شهور، ويذكر بول أونيل وزير مالية بوش أن أول اجتماع للرئيس بوش مع مجلس الأمن القومى فى يناير ٢٠٠١ كان جدول أعماله الرئيسى هو إيجاد مبرر لشن حرب لإسقاط صدام حسين. وكان يجرى تدبير بعض المنطق السطحى لهذا المبرر، فما دام صدام قد أمطر الأسلحة الكيميائية على الإيرانيين وكذلك على العراقيين الأكراد والشيعة أثناء الحربين اللتين شنهما، فيفترض أن لديه برنامجا مزدهرا لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وظل الذعر الذى تلا يوم ١١ سبتمبر مستمرا وأصر المحللون وصناع القرار- الذين لم يكن لديهم ما يقولونه لعامة الناس-على أنه يجب ألا يسمح للقاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى بأن تضع أيديها على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية. وقد برهنت عملية «العرس الكبير» التى نفذت فى نيويورك وواشنطن أن القاعدة لن يثنيها أى شيء. وينبغى افتراض أن بن لادن والظواهرى سوف يحاولان الحصول على أسلحة دمار شامل من أى مصدر لإبادة أهداف غربية وتثبيت دعائم الأمة الإسلامية. وكان أسامة قد أعلن فى عام ١٩٩٨، فى أعقاب تفجير باكستان سلاحها النووى الأول، أن حيازة الأسلحة للدفاع عن المسلمين واجب ديني.
وكشف استيلاء الأمريكيين على أماكن إيواء القاعدة الآمنة وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بها وملفاتها فى أفغانستان فى عامى ٢٠٠١-٢٠٠٢، أن أيمن الظواهرى كان يدير بالفعل برنامجا مكثفا ومنظما لحيازة أسلحة دمار شامل لإصابة الولايات المتحدة بخسائر جماعية هائلة، وكان
بن لادن يحاول إقامة علاقة عمل مع شبكة العالم الباكستانى عبدالقدير خان المارقة من الموردين النوويين على مدى سنوات، ولهذا الجانب كان الظواهرى يزرع مهندسين متعاطفين فى العهد الباكستانى للعلوم النووية والتكنولوجيا، إضافة إلى مدير سابق للجنة الطاقة النووية فى باكستان كان قد ألف كتابا مزعجا إلى أقصى حد عنوانه: «يوم القيامة والحياة بعد الموت: العقيدة المثلى للكون كما يراها القرآن الكريم». وكان رجل القاعدة الثانى يجمع قنبلة قطعة قطعة ويحاول شراء المواد القابلة للانشطار (من الباكستانيين أو الروس) التى يمكن حشوها فى نظام بسيط للإطلاق.
نشر مبدأ بوش فى شهر سبتمبر ٢٠٠٢ ولكن قواعده طرحت فى أفغانستان. ويرى المبدأ أن على واشنطن أن تستخدم قوتها العسكرية التى لا مثيل لها للإطاحة بنظم الحكم الشمولية التى هددت الولايات المتحدة، واستباق الهجمات الإرهابية، ونشر الديمقراطية. وكان مبدأ بوش هو بالتحديد ما كان يبحث عن محافظين جدد مثل بول وولفوويتز وريتشارد بيرل منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. وقد ظهر المحافظون الجدد فى أعقاب حرب فيتنام، والوفاق الدولى وفضيحة ووترجيت، وكانوا من الليبراليين سابقا، وقد اعتنقوا النزعة المحافظة والجدال المجافى للواقع للادعاء أن حرب فيتنام كان يجب تكثيفها (لا إنهاؤها) لاقتلاع جذور الشيوعية، وأن الوفاق الدولى كان تشويها ساذجا للذات أدى فقط لتقوية السوفييت، وحتى إلى إضفاء الشرعية عليهم، كذلك يرون أن ووترجيت كانت رد فعل هستيريا مفرطا للنصب والاحتيال الرئاسى الروتينى الذى قيد السلطة التنفيذية بدرجة خطيرة. وفى إدارة بوش الثالث والأربعين جلب رامسفيلد وتشينى إليها كوادر من المحافظين الجدد، مثل بيرل وولفوويتز، نثروا مساعديهم فى كل جهة فى البيت الأبيض والبنتاجون وألحوا على حجتهم القائلة بأن الولايات المتحدة – فى عالم القطب الأوحد «الخالى من» منافسين أنداد لها» – هى وحدها المالكة للقوة القاهرة اللازمة لطرد نظم الحكم الخطيرة أو المنفرة فحسب.
وبينما استخدام كلينتون الاقتصاديات ليوسع من نفوذ أمريكا– مثل «الدولار القوى»، والعولمة المشتركة، والأسواق الحرة وصندوق النقد الدولى– حول بوش اهتمامه إلى القوة العسكرية، فعلى أمريكا أن تستخدم قوتها القاهرة – كما لاحت فى حرب الخليج العربى وفى الصرب وفى أفغانستان – لكى تعيد رسم الخارطة باسم «أجندة بوش للحرية» وكان محافظو بوش الجدد يتكلفون العظمة والنزعة المثالية وأطلقوا على أنفسهم اسم «أتباع ويلسون المتشددون»، وكان لعراق صدام حسين حصة كبيرة لديهم باعتباره مشروعهم الأول الكبير، وللحديث بقية.