الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

سيوة.. جنة على أرض مصر

سيوة.. جنة على أرض
سيوة.. جنة على أرض مصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم طول المسافة التى تستغرقها الرحلة من القاهرة إلى واحة سيوة، والتى تبلغ 516 كيلو مترا، وصعوبة طريق سيوة- مطروح، إلا أن الواحة التى يطلق عليها «الجنة المفقودة» تستحق بجدارة هذا اللقب، فالواحة التى كانت مركزا وقبلة للعالم القديم خلال العصر الفرعوني، تمثل مركزا ثريا لجميع أنواع السياحة في العالم الحديث.


تصنف واحة سيوة كواحدة من أنقى الواحات على مستوى العالم، باعتبارها أبعد واحة عن العاصمة القاهرة، وفى نفس الوقت تقع على بعد ٣٠٥ كيلو مترات من ساحل البحر المتوسط، وتقع تحت مستوى سطح البحر من ١٠ لـ ٢٢ مترًا في المتوسط ١٨ مترًا. وبالنسبة لطبيعة المجتمع السيوي، فهو مزيج من الأمازيغ والبدو، مما يمنحه خصوصية كبيرة للغاية، وواحة سيوة هى البوابة الرئيسية للأمازيغ، وامتدادهم جغرافيا في الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا، والمجتمع السيوى يتحدث اللهجة السيوية، وهى واحدة من اللهجات الأمازيغية. وللمجتمع السيوى عادات وتقاليد ونمط حياة أقرب إلى شمال أفريقيا منها إلى دول المشرق العربي، فالسيويون ليسوا بدوًا كما يعتقد البعض، وتعداد السكان يقارب ٣٥ ألف نسمة حاليا، يحكمهم نظام قبلى معروف من قديم الأزل، وشيوخ القبائل هم حلقة الوصل بين الأفراد وكل أجهزة الدولة، وهناك حالة من التكامل بين شيوخ القبائل والذين يمثلون القطاع الشعبي، مع الأجهزة الحكومية المختلفة. وحالة الاستقرار والأمان الشديد التى نراها داخل الواحة، نتيجة هذا التكامل، وتنعدم الجريمة في سيوة ويتم معالجة المشكلات البسيطة التى تحدث بين الأفراد بشكل بسيط للغاية، من خلال شيوخ القبائل، واللجوء لأقسام الشرطة لا يتم إلا في حالات نادرة للغاية.
هناك عدة أوجه للسياحة في واحة سيوة، ففضلا عن ثرائها بالأماكن السياحية والأثرية، تعرف الواحة بالسياحة العلاجية والدينية وسياحة السفاري، وهناك العديد من المعالم الأثرية بواحة سيوة، كما يقول محمد عمران جيرى- عضو مجلس إدارة جمعية أبناء سيوة للخدمات السياحية والحفاظ على البيئة: منها معبد الوحى أو التنبؤات، وقاعة تتويج الإسكندر أو شالي، موضحا أن كل تلك المسميات تعنى مكانا واحدا يعتبر من أهم المواقع الأثرية في محافظة مطروح وفى التاريخ القديم.
ويؤكد جيري: أنه كان هناك مركزان للنبوءة في العالم القديم، أحدهما في واحة سيوة في مصر، والآخر في اليونان، وكان الملوك في ذلك الحين يلجئون إليهم لمعرفة مستقبلهم السياسي، مشيرا إلى أن هناك أكثر من قصة شهيرة في التاريخ للتدليل على ذلك، ومن بينها نبوءة كهنة سيوة بزوال الحكم الفارسى، والتى جعلت الفرس يتشاءمون، ويكونون جيشا من ٥٠ ألف جندى بقيادة قمبيز للنيل من كهنة المعبد، إلا أن هذا الجيش فشل في الوصول إلى الواحة، لهبوب عواصف ترابية حالت دون وصوله عام ٥٢٥ قبل الميلاد، ولا أحد يعرف حتى الآن أين جيش قمبيز، مضيفا أنه بعد هذا الحادث أصبح لكهنة آمون صيت أكبر، لأنهم تمكنوا من حماية الواحة من غزو الجيش الفارسى لها.


وهناك سياحة متاحف كمتحف البيت السيوى الذى يعرض تراث الواحة، ومركز سيوة لتوثيق التراث الحضارى والطبيعي، فضلا عن التراث اللامادى، ويتمثل في الحكايات الشعبية والألغاز والتطريز السيوى والصناعات الحرفية، وهناك مركز «زوار المحمية» الذى يمثل بانوراما تحكى طبيعة المحمية بمكوناتها المختلفة.
يقول جيري: إن الواحة تحتوى على عيون مياه كثيرة جدا أكثر من ٢٢٠ عين مياه طبيعية، مثل: «عين العرايس» و«عين فطناس» و«عين كليوباترا» و«عين جوبا» و«عين الشمس» وغيرها، لافتا إلى أن «عين جوبا» نسبة إلى الآلهة في العصرين اليونانى والرومانى، «عين الشمس» نجدها باردة في حر الصيف وفاترة في الشتاء وتسمى «عين الحمام» لأن من تقاليد المجتمع السيوى في السبعينيات وبعد ذلك، أن تأتى العروس وصديقاتها لغسيل وجهها وقدمها بشكل احتفالي. وأبرز جيرى مقولة المؤرخ المصرى القديم هيرودوت: «إذا كانت مصر هبة النيل فواحة سيوة هبة عيون المياه»، وتسمى عيون المياه الرومانية، لأن الرومان هم أكثر ناس اهتموا بصيانة عيون المياه والآبار. كما سلط الضوء على أجواء الغروب الساحرة في جزيرة «فطناس».
تصنف سيوة كمنتجع طبى سياحى مفتوح، وتتمثل في الدفن في الرمال وعيون المياه الكبريتية والطمى المغربى وبحيرات الملح، وتقام طقوس العلاج بالدفن في الرمال في منطقة جبل الدكرور، لاحتواء رماله على خصائص خاصة تفيد في علاج آلام المفاصل والسمنة والرطوبة وأمراض أخري.
وتستمر عملية الدفن على مدى ثلاثة إلى خمسة أيام متواصلة، إذ يتم دفن المريض في الرمال لدقائق معدودة، ثم نقله إلى الخيمة لقضاء نصف ساعة أخري، على ألا يتعرض المريض لتيارات هوائية في الأيام الثلاثة التالية حتى تنتهى فترة العلاج.


تتمثل في الاحتفال السنوى بالطريقة المدنية الشاذلية، وهى احتفالية تقام في منطقة جبل الدكرور في شهر أكتوبر من كل عام، بالتزامن مع الليالى القمرية من الشهر العربى الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وغالبا ما يقام بعد جمع التمور من النخيل في المنطقة. 
ويرجع الاحتفال إلى ١٦٠ عاما مضت، إلى الشيخ أحمد حمزة غافر المدنى من مواليد المدينة المنورة، ثم انتقل لعدد من الدول العربية وشمال أفريقيا، ثم انتقل إلى واحة سيوة عام ١٢٨٠ هجريا، وأحب أهالى سيوة الاحتفال بمجيئه إلى الواحة، فاختاروا جبل الدكرور لاتساعه، وأمضوا هناك يوما واحدا تناولوا خلاله الطعام والشراب معا، واستمعوا لنصائح الشيخ وأحب أهالى سيوة هذا التجمع.
واستمرت هذه الاحتفالية منذ ذلك الحين على مدى ثلاثة أيام، يتجمع خلالها أهالى سيوة في ساحة جبل الدكرور رجالا ونساء وأطفالا، ويبيتون هناك ويقيمون سوقا تجارية كبيرة «مولد» لتغطية جميع احتياجاتهم ومراجيح للأطفال، ويشرف القائمون على الاحتفال على إدارة شئون المكان.
ويستعد أهالى سيوة قبل الاحتفال بأسبوع بعمل خبز موحد يشبه «العيش الشمسي»، ويقوم مندوب بتجميع الخبز من بيوت الأهالي، ووضعه في أقرب مسجد حتى نقله إلى ساحة الاحتفال لعمل «الفتة» بشكل تطوعى واحتفالي، كما يتبرع البعض بالذبائح، وبعد صلاة الظهر يقوم جميع المحتفلين بالتجمع في ساحة جبل الدكرور، ويتم عمل الطعام وتوزيعه على الجميع لتناوله في وقت واحد، وبعد صلاة العشاء يتم عمل حلقات الذكر والتواشيح الدينية.


ويسمح في ساحة الاحتفال بتواجد الأطفال والشباب والرجال وقضاء الليل والبيات، بينما تنصرف الفتيات بعد صلاة العصر، وتمنع السيدات من المجيء إلى ساحة الاحتفال تماما، ويبيت الرجال في العشش وتحت النخيل المجاور، بينما يقيم شيوخ القبائل في المقصورة الرئيسية ويخيم البعض في الأماكن المجاورة لهم. 
وفى اليوم الرابع، ينصرف الأهالى بينما يتحرك القائمون على الاحتفال حاملين علم الطريقة الشاذلية حتى المسجد الكبير لإقامة حلقة ذكر مصغرة، وبذلك تنتهى مراسم الاحتفال، ويسمى «احتفالات السياحة»، وتحمل فلسفة السياحة للتفكر في ملكوت الخالق وتصفية الخلافات بين السيويين، الذين يجتمعون معا على مدى ثلاثة أيام، كما تسمى «احتفالات الحصاد»؛ لأنها تقام بعد جمع البلح والزيتون، ويسمى «احتفالات الليالى القمرية» لأنها الثلاثة أيام تتزامن مع الليالى القمرية في الشهور العربية.
تسود فكرة التكافل والتعاون بين الناس داخل المجتمع السيوي، وتظهر هذه الفكرة بوضوح في الأفراح على سبيل المثال، إذ يبلغ عدد سكان سيوة ٣٥ ألفا، جميعهم يعرفون بعضهم البعض، وبالتالى ففكرة الارتباط أو اختيار شريك الحياة لا تمثل مشكلة لهم.
ويتسم المجتمع السيوى بتقاليد محافظة، فلا يستطيع الخاطب الخروج مع خطيبته، وإنما يزورها في منزلها في المناسبات المختلفة بحضور أحد أفراد أسرتها.
أما فيما يتعلق بالالتزامات المشتركة، فيقول محمد عمران جيري- عضو مجلس إدارة جمعية أبناء سيوة للخدمات السياحية والحفاظ على البيئة: «الشاب كان قبل ذلك يتزوج في بيت العائلة، أما الآن أصبح يبنى بيتا مستقلا ولا يلتزم الشاب سوى بشراء غرفة النوم، أما ما دون ذلك فهو وفقا لإمكانياته، وتقوم العروس بتجهيز ملابسها ومستلزمات الطبخ وفقا لإمكانيات أهلها كذلك.


والمجتمع في سيوة لا يعتمد على فكرة المهر والشبكة و«القايمة»، وحفل العرس في سيوة كان يمتد قديما على مدى سبعة أيام، أما الآن فأصبح مختصرا، ويتراوح عدد المدعوين في الزفاف ما بين ٥٠٠ و١٠٠٠ مدعو، يدعون إلى وليمة غداء أو عشاء، يتحمل العريس تكلفتها كاملة، ويخدم في المأدبة أقارب وأصدقاء العريس بشكل تطوعي.
وفى صباح اليوم التالى للعرس وفى نحو التاسعة صباحا يترك العريس عروسه مع الفتيات والسيدات داخل المنزل، ويخرج هو لاستقبال المهنئين من الشباب في أحد بيوت الجيران، الذى يتم تجهيزه لهذا الغرض، فيما يقوم والد العريس باستقبال المهنئين من كبار السن في منزل مجاور، وبعد مرور ساعتين تقريبا، تقوم الفتيات بزيارة العروس وتبادل الهدايا.
وفى اليوم التالى على ذلك، يأتى أقارب العروس لزيارتها في منزلها الجديد، أما اليوم السابع على الزفاف فيعتبر اليوم الأهم في طقوس الزواج السيوية، إذ تقام احتفالية كبيرة يقوم أصدقاء العريس بالتمهيد لها من خلال الذهاب إلى الحدائق لإحضار «الجمار» أو قلب النخلة.
حيث يقومون بإحضار ثلاث أو أربع قطع خلال فترة الظهيرة، ويتم تقطيعها لقطع صغيرة بينما يترك أحدها كاملا لا يقطع، وتذهب والدة العروس ومجموعة كبيرة من سيدات العائلة إلى منزل العروس بعد صلاة العشاء، وتقدم لهم الهدايا والعصائر، ويكون جزءا من الهدية التى تقدم إليهم «الجمار» الذى تم تقطيعه، بينما تحصل والدة العروس على قلب «جمار» كامل بعد الحصول على لبه. ومنح العريس هذه الهدية إلى حماته تحمل فلسفة عميقة تتمثل في أنه يهب لحماته أعز ما يملك وهو قلب النخلة، لأنها وهبته أغلى ما تملك وهو ابنتها، وهذا التقليد لا يزال قائما حتى الآن في سيوة.