يرى كمال زاخر، المفكر والناشط القبطي، حول التطور الذى تشهده الحياة الرهبانية حاليا، أنه «لا بد أن نقرأ الأمر فى سياقه التاريخي، نحن أمام مرحلة عامة غير مقتصرة على الرهبنة فقط، حيث تمكنت الثورة الرقمية من تجاوز كل الحدود، وكان من الطبيعى أن تنعكس على حياة الرهبان، والرهبنة ليست حياة انعزالية بحتة، فالرهبان بشر ولدوا فى مجتمع، وخرجوا منه، وبالتالى هم اجتماعيون بطبيعتهم، ولابد أن نأخذ هذا فى الحسبان».
وأضاف أن التغيير فى الحياة الرهبانية بدأ مع أبونا متى المسكين، الذى بنى قلايات فى دير أبونا مقار، تختلف عن كل القلايات الموجودة فى جميع الأديرة الأخرى، حيث أدخل إليها الكهرباء والمياه وأدوات الطعام، وهذا ما انتقده الجميع آنذاك باعتبار أنها أمورا غير مألوفة للرهبنة وطبيعة حياتها.
وعن أجهزة الحاسوب والتواصل المتاحة لدى الراهب الآن، قال: «أصبحت ضرورة للاطلاع والقراءة وأيضا يستخدمها الراهب أحيانا فى نشر كلمة الله».
وحول حادث مقتل الأنبا أبيفانيوس وما تبعه من قرارات حاسمة اتخذها البابا تواضروس تجاه الرهبنة والرهبان قال: «المنظومة الرهبانية هى كائن حى يتعرض للضعف والوهن، والرهبنة فى الأول والآخر هى مجتمع إنسانى وليس ملائكي، هناك تصور خاطئ لدى البعض بشأن قداسة الرهبان، وقرارات البابا تعد إجراءات سريعة ضرورية لحماية الرهبنة من الخطر الذى يهددها، ويمكن أن أوصف هذا بمتاعب المرحلة الانتقالية من مناخ مغلق إلى مناخ منفتح على العالم» ولفت الانتباه إلى غزو الانفجار السكانى الذى جعل العالم قريب جدا من الأديرة ومواضع الرهبان، وليس الرهبان هم من اقتربوا للعالم. ونوه إلى ضرورة الحرص الشديد أثناء التطور فى عالم الرهبنة، والحفاظ الكامل على مبادئها الأساسية، وطالب بضرورة تنظيم الرحلات إلى الأديرة بل وتقليلها.
وأشار إلى أن الرهبنة بمفهومها الخدمى قائلا: «الرهبنة الكاثوليكية نجدها تفتح المدارس ويقبل بها الطلبة المسلمون والمسيحيون، ويشرف عليها الرهبان وهم بذلك فى العالم وليسوا منعزلين». مؤكدا أنه لا يرفض أبدا التطور الرهبانى مادام يتم تحت نظر المشايخ والآباء وفى حدود إرشادهم.
وعن السيارات التى نجدها بحوزة الرهبان قال: «ليست ملكهم بل ملك الدير وتستخدم فى الخدمة فقط، وفى الانتقال من دير إلى آخر وفى نقل أى آباء تعرضوا لوعكة صحية مفاجئة إلى المستشفى، ولكن هذه السيارات، ليس كما نفهم خطأ أنها ملك لهم». كما أشاد بالأديرة المخصصة، والتى تشهد موالد واحتفالات وتشارك المجتمع فى مناسباته الروحية، وتعكس داخلهم الفرحة وتنمى لديهم روح الانتماء لكنيستهم.
واختتم كمال حديثه قائلا: «كل مرحلة انتقالية تشهد لحظات حرجة ولابد من اليقظة التامة، وأن يكون التطور فى إطار الأهداف الأساسية للرهبنة، لأن مثل هذه التطورات، والمناخ المتغير، حتما قد يُحدث تأثير على منظومة الرهبنة بشكل سلبى إن لم يكن هناك توجيه وإرشاد وضبط ودراسة مستمرة للوضع».
وأخيرًا الرهبنة قرار إرادى لا إجباري، وحياة إنسانية يحاول خلالها الشخص التعفف والتجرد من احتياجات الجسد والنفس، وسواء كانت خارج العالم فى الجبال والبرارى أو داخله من أجل خدمة الناس ومساعدتهم، فهى تظل محتفظة بمبادئها الأساسية، ودخولها العالم للمشاركة والخدمة لا يمثل أى خطر على جوهرها ما دام التطوير فى إطار المنظومة الكنيسة الأم، وفى إطار قوانينها وتحت توجيه آبائها.