الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإمبراطورية الأمريكية والرمال المتحركة في الشرق الأوسط «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع البروفيسور جيفرى وورو أستاذ التاريخ العسكرى البارز بجامعة تكساس الأمريكية والذى يعد من أهم الأكاديميين فى الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال الدراسات الاستراتيجية، ومؤلف كتاب «الحرب والمجتمع فى أوروبا» وكتاب «الرمال المتحركة.. سعى أمريكا إلى السيطرة على الشرق الأوسط» والذى نقله إلى العربية صلاح عويس والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة بقوله: فى أكتوبر عام 1954 بدأ عبدالناصر فى التفاوض مع البريطانيين للجلاء عن قاعدة قناة السويس. ومع أن البيروقراطيين المتزايد عددهم نصحوه بالتمهل لكنه كان خصما عنيدًا وأدت خطبة باللهجة العامية إلى تهييج مشاعر الشارع العربي، وإلى رفع المصالح المصرية إلى الأمام بفاعلية تحت المظهر المثالى للقومية العربية. وأعرب دبلوماسى سورى عن دهشته بقوله: «لم يحدث قط منذ النبى محمد أن رجلًا تمتع بمثل هذه المكانة بين العرب مثل عبدالناصر». 
أما أنتونى إيدن وزير الخارجية البريطاني، فقد نظر إلى صعود عبدالناصر بقلق شديد، وقال لأعضاء وزرائه فى فبراير 1953: «لا نستطيع أن نأمل فى الاحتفاظ بموقفنا فى الشرق الأوسط بأساليب القرن الماضي» بل من المدهش أنه عرض إجلاء جميع الجنود والموظفين الحكوميين والمقاولين البريطانيين من قاعدة السويس خلال سبع سنوات. ووافق إيدن أيضا على منح السودان استقلاله، والذى يعتبر الظهير الخلفى الشاسع لمصر، وبذلك يرضى مطلبًا آخر من مطالب عبدالناصر الذى كان هو ومناصروه يعتبرون نهر النيل الذى تمر به مياهه القادمة غير قابل للتجزئة، كما كانوا يريدون توحيد مصر والسودان فى دولة واحدة، والذى يعتبر استقلال السودان خطوته الأولى. 
وفى خمسينيات القرن العشرين كافحت إسرائيل لكى تضع سياجًا حول واشنطن يعزلها عن أية منظمة عربية كبيرة قد تضعف العلاقة الخاصة بين الحكومة الأمريكية وإسرائيل. كذلك خرب الإسرائيليون الجهود الأمريكية للتوسط فى إبرام سلام مع الدول العربية المجاورة. 
وسأل هنرى بايرود رئيس قسم الشرق الأدنى فى وزارة الخارجية الأمريكية: «أى ثمن ستدفعه إسرائيل مقابل السلام؟» وكانت إجابة وزير الخارجية الإسرائيلى عام 1953 هي: «لاشيء» وأوضح رئيس الوزراء الإسرائيلى بن جوريون -فى برود- كيف أن «العرب لديهم أراض تبلغ مساحتها ستة وثلاثين ضعف مساحة إسرائيل، ولديهم الماء والنفط ومن ثم فهم لا يحتاجون أراضى إضافية». 
وكان تقدير بن جوريون أن مستقبل إسرائيل يعتمد على إنجاب الأطفال اليهود بنفس السرعة التى ينجب بها العرب أطفالهم، وكذلك على الهجرة اليهودية الضخمة. وقال بن جوريون لأحد الضباط الإسرائيليين فى عام 1953 إن «القوى الغربية لن تقيم وزنًا لإسرائيل إلا عندما يصبح مجموع سكانها ستة ملايين نسمة على الأقل» ولكى يحدث ذلك سعى إلى إحضار ما لا يقل عن مليونى مهاجر أوروبى شرقى فى خمسينيات القرن العشرين. وعلى الرغم من كراهيته لحدة الطبع لدى هؤلاء الصهاينة الجدد بعد الحرب والذين يصفهم «بالأنانيين المخنثين الذين تربوا فى المدن» كان لا بد من مجيئهم. 
وفى عام 1955 ترك هانك بايرود واشنطن ليصبح سفيرًا للولايات المتحدة فى مصر. وقد تم اختياره بسبب وجهة نظره المناصرة للعرب وكذلك لكونه فى الثانية والأربعين من عمره مما يجعله فى العمر من عبدالناصر، وعندما التقى الاثنان أعجب بايرود بعبدالناصر من الوهلة الأولى. ولما كان ناصر ما زال مهموما بضعف ترسانة الأسلحة الضعيفة الموروثة من عهد الملك فاروق، طلب مساعدة عسكرية فأوصى بايرود بصفقة قيمتها 28 مليون دولار من المدفعية والدبابات المتوسطة والقاذفات طراز بى -26 ووافقت واشنطن ولكن بشرط ألا تستخدم هذه الأسلحة إطلاقا فى عمليات هجومية. وكانت تلك الشروط السليمة فى قانون الأمن المتبادل الأمريكى التى انتهكتها إسرائيل بحمق فى عام 1956. ولما كان المصريون ينوون شن هجمات ضد إسرائيل وفى منطقة القناة التى يريدها البريطانيون، رفضوا الشروط الأمريكية باعتبارها انتهاكا لسيادتهم وتوجهوا إلى السوفيت الأكثر تسامحا. 
وكان السوفيت فى البداية يتعالون فى التعامل مع ما يخص الضباط الأحرار، فقد اعتبرت طبعة عام 1952 من دائرة المعارف السوفيتية الكبرى مجلس قيادة الثورة «تجمعا للبرجوازية الصغيرة الرجعية يخدم مصالح الأمريكيين»، ولكن نيكيتا خروتشيف نبذ تلك الاعتراضات التافهة المغالية فى التمسك بالمذهب، وبعد تأمين الدفع بكميات من القطن، قام بشحن صفقة أسلحة لمصر عام 1955 قيمتها 100 مليون دولار. وهذه التحويلات السوفيتية الأولى من الأسلحة التشيكية إلى مصر سرعان ما تبعتها طائرات الميج والقاذفات النفاثة من طراز إليوش والدبابات الروسية. وقد مثلت تغيرًا مفاجئا كاملا فى منهج موسكو تجاه الشرق الأوسط. 
وللحديث بقية