الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

محمد العريان والأوكسبردج

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شعور عظيم انتابنى عندما عاد الدكتور محمد العريان إلى جامعة كامبردچ التى تخرج فيها، ليتولى منصب رئيس كلية الأميرات (The Queens’ College). وازداد هذا الشعور بالفخر عندما زارت الملكة إليزابيث جامعة كامبردچ وقدمت التهنئة للدكتور العريان.
فما هى قصة جامعتى أكسفورد وكامبردچ ؟ وما هى القيمة العلمية لجامعة كامبردچ الإنجليزية؟ ولماذ يعتبر الالتحاق بالجامعة من أرقى المراتب العلمية فى العالم؟
بداية لابد أن اعترف أننى كنت من المهتمين بالالتحاق بجامعة كامبردچ، عندما تم تسميتى من قبل جامعة المنصورة سنة ١٩٩٦ للحصول على الدكتوراه من إنجلترا، وقد قمت بمراسلة رئيس قسم النساء بجامعة كامبردچ، ستيفين سميث، وقد وافق على قبولى بكامبردچ، واستكمال أبحاث زميل مصرى آخر، وهو الدكتور أحمد عشوش أحمد، والذى حصل على الدكتوراه من كامبردچ، ويعمل حاليًا فى جامعة أكسفورد، وهو بحق أحد العلماء والباحثين المتميزين فى انجلترا. 
ولقد حاولت كثيرًا أن أتواصل مع الدكتور سمير الصياد والذى كان يعمل مستشارًا ثقافيًا فى لندن فى ذلك الوقت، (وعمل وزيرًا للتجارة والصناعة فى حكومة د.عصام شرف سنة ٢٠١١)، لكى ينهى أوراقى للالتحاق بجامعة كامبردچ، ولكنه فضل لي الدراسة بمانشستر على كامبردچ، ربما بسبب الرسوم الدراسية الباهظة التى طلبتها كامبردچ، وربما بسبب أن الأستاذ الآخر الذى قبلنى وهو هنرى كتشنر فى مانشستر كان متخصصًا فى جراحة الأورام النسائية التى طلبتها جامعة المنصورة، وربما أيضًا لسبب ثالث وهو «كيف لفلاح من قرى المنصورة الحصول على الدكتوراه من جامعة كامبردج العريقة؟».
وتاريخ جامعتى أكسفورد وكامبردچ فى إنجلترا، من المحاضرات الشيقة جدًا، والتى لايخلو احتفال بالفوز بجائزة نوبل، لأى من العاملين بالجامعتين من عرضه فى محاضرة «الفائزين بنوبل»، والتى غالبًا ما تعقد فى إحدى الجامعتين. ومازلت أتذكر بعضا مما سمعت فى هذه المحاضرات، والتى يدعى إليها الباحثون من كل دول العالم.
فأول جامعة أنشئت فى أوروبا كانت جامعة بولونيا فى إيطاليا، والثانية كانت جامعة باريس فى فرنسا، وكان الطلاب الإنحليز من أولاد النبلاء يدرسون فى جامعة باريس. أما أقدم جامعة فى إنجلترا فكانت هى جامعة أكسفورد وتلتها جامعة كامبردچ، وتعرف الاثنتان معًا بـ«أوكسبردچ Oxbridge».
وبالرغم من أن تاريخ التأسيس لجامعة أكسفورد غير معروف بالدقة، إلا أن هناك أدلة على أن التدريس قد بدأ فى جامعة أكسفورد فى القرن الحادى عشر الميلادى (سنة 1096)، وفى سنة (1167)، منع هنرى الثانى، ملك إنجلترا، الطلاب الإنجليز من الذهاب إلى جامعة باريس، وأرسلهم للدراسة فى جامعة أكسفورد، مما أعطى للجامعة اهتمامًا خاصًا، ونموًا سريعًا واكبه زيادة فى عدد الدارسين، والذى فاق الطاقة الاستيعابية التى تتحملها مدينة صغيرة مثل أكسفورد، وبدأ السكان فى المدينة يتحرشون بالطلاب، مما دفع عددا من الطلاب (والأساتذة)، إلى النزوح من أكسفورد إلى مدينة أخرى صغيرة إلى الشرق من أكسفورد وتبعد عنها حوالى ٦٠ ميلًا، وهى كامبردچ والتمركز فى جامعة جديدة سنة ١٢٠٩. 
ونشأت بين الجامعتين منافسة شديدة منذ القرن الثانى عشر وحتى اليوم. وأصبحت الجامعتان من أفضل جامعات العالم، ولحقت بهم بعد ذلك جامعة لندن، ومثل الثلاثة معًا (كامبردچ - أكسفورد - لندن)، المثلث الذهبى للجامعات البريطانية، واحتل هذا المثلث قمة ترتيب الجامعات فى العالم (من العشرة الأوائل عالميًا)، وتمركز فيهم أكبر العلماء وأحسن الطلاب وأبناء الصفوة والنبلاء من كل دول العالم.
ولقد تصدرت جامعة كامبردچ الترتيب الأول عالميًا فى عدد الحاصلين على جوائز نوبل، بينما احتلت جامعة أكسفورد الترتيب الرابع حسب مرجعية (الاقتصادى فى ٨ أكتوبر ٢٠١٧)، وبصفة عامة فقد تفوقت كامبردچ فى العلوم (الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا)، بينما تفوقت أكسفورد فى العلوم السياسية (أكبر عدد من الساسة ورؤساء الدول والحكومات فى العالم)، وكذلك فى العلوم الإنسانية والآداب والفنون.
حيث حصل خريجو جامعة كامبردچ على 96 جائزة نوبل، ومن أبرزهم الفيزيائيين إرنست روثرفورد فى 1908، ونيلز بوهر فى 1922، كما حصل العالم الباكستانى محمد عبدالسلام على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 1979، والكاتب برتراند راسل فى 1950، وفاز عالم الكيمياء فريدريك سانجر بجائزتين فى نفس المجال الأولى فى 1958، والثانية خلال 1980. ونالت جامعة أكسفورد الترتيب الرابع بين الجامعات العالمية، بواقع 53 جائزة، ومن أبرز الحائزين على جائزة نوبل من خريجى أكسفورد، الكاتب الإنجليزى وليام جولدنج سنة 1983، وحصل السياسى الكندى ليستر باولز بيرسون على الجائزة فى 1957، وفاز سجين المعارضة البورمية الشهير أونغ سان سو كى بالجائزة فى 1991.
وهناك سبع جامعات أمريكية، واثنتين من انجلترا، وواحدة فقط من ألمانيا، قد تصدرت الجامعات العالمية فى سجل العشرة الأكثر حصولًا على جوائز نوبل هم بالترتيب (كامبردچ - شيكاغو - كولومبيا - أكسفورد - هارفارد - كورنيل - جوتنجن (فى ألمانيا) - معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا -جامعة كاليفورنيا فى بركلي - جامعة ستانفورد).
وبالعودة إلى الدكتور محمد العريان وتاريخه الحافل بالإنجازات نجد أنه قد وُلد فى نيويورك سنة ١٩٥٨، ووالدته السيدة نادية شكري، ابنة عم المهندس الراحل إبراهيم شكرى رئيس حزب العمل (من شربين دقهلية)، وأبوه الدكتور عبدالله العريان، الذى كان أستاذًا للقانون الدولى بجامعة القاهرة، ثم قاضيًا فى محكمة العدل الدولية. وهو متزوج من محامية.
وقد حصل الدكتور العريان على منحة لدراسة الاقتصاد من كلية الأميرات (كوينز كولدج) فى جامعة كامبردج، وهى نفسها التى عاد رئيسًا لها الآن. كما حصل على شهادتى الماجستير والدكتوراه فى الاقتصاد من جامعة أكسفورد، أى أنه بحق أوكسبردچي، مثل العالم الفذ ستيف هوكنج والعديد من الشخصيات العلمية المرموقة فى التاريخ الإنساني.
وقد وصفت صحيفة نيويورك تايمز، الدكتور العريان ب «الرجل الغامض»، عندما تولى إدارة الوقف الاستثمارى لجامعة هارفارد، (تبرعات بأكثر من ٣٣ مليار دولار)، وفى خلال سنة واحدة استطاع الصندوق أن يحقق أرباحًا نسبته 23 ٪، وهو الأعلى فى تاريخ الجامعة. 
كما عمل د.العريان لمدة 15 عامًا فى صندوق النقد الدولى فى واشنطن، ثم عمل مديرًا تنفيذيًا فى «سالمون سميث» التابعة لسيتى جروب فى لندن، وفى عام 1999 انضم إلى مؤسسة بيمكو الاستثمارية العالمية التى تدير أصولًا تزيد قيمتها على 1100 مليار دولار أمريكي. ويعرف د.العريان فى الأوساط المالية العالمية بـ«حكيم وول ستريت». وهو مرجع اقتصادى للرئيس عبدالفتاح السيسي، ولعدد كبير من المؤسسات المالية والصحف العالمية.
وفى نوفمبر ٢٠١٥، عين السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الدكتور محمد العريان ضمن الأعضاء ذوى الخبرة بالمجلس التنسيقى للبنك المركزى المصري. 
واخيرا، اختار الدكتور العريان، بعد ان بلغ الستين من العمر، ان يعود الى العمل الاكاديمى فى الجامعة التى تخرج منها، ولذلك استحق الاحترام والتكريم من ملكة انجلترا.
إن مصر زاخرة بالعلماء والشخصيات الفذة التى حققت نجاحًا منقطع النظير فى أكبر الجامعات والمؤسسات فى أوروبا وأمريكا الشمالية، وهم على استعداد لمساعدة مصر وهى تسعى بجد إلى إحداث نهضة شاملة فى جميع المجالات، ويجب أن نتواصل معهم وأن نشركهم فى النهوض ببلدهم وبلد آبائهم وأجدادهم، وأن نعدل من القوانين واللوائح الجامعية، بحيث تسمح بتعيين الأفضل والأكثر خبرة بتولى المناصب القيادية فى الجامعات المصرية.