بين البهجة والألم، عاشت الأسر المصرية، من أهالى طلاب الثانوية العامة، أيامًا صعبة، وجاءت النتيجة لترسم البهجة والسعادة على وجوه المتفوقين وأسرهم، والحزن على من لم يصبهم التوفيق، ورأينا للأسف حالات انتحار لطلاب لم ينجحوا أو لم يحصلوا على مستوى معين.
ورغم أن نتيجة أوائل الثانوية العامة، تكشف كل عام عن نماذج براقة لقيم التحدى والصمود للأبناء المجتهدين والأمهات الصابرات والآباء الذين سطروا ملاحم فى رعاية الأسر والوصول بهم إلى مراحل التفوق إلا أننى أود أن أقول لمن تفوقوا ولمن لم يحالفهم التوفيق، بأن الحياة لن تتوقف عند امتحانات الثانوية العامة ونتيجتها.. فهناك نماذج بارعة ومشرفة فى مصر والعالم فى كثير من المجالات، منهم العلماء والكتاب والمفكرين والقادة والمخترعين، لم يكونوا من أوائل الثانوية العامة، بل لم يكونوا من المتفوقين فيها، والأعظم أنهم لم يلتحقوا بالمدارس أصلًا أو فشلوا فيها.
ففى بحث بسيط فى سير أعلام مصر والعالم، وجدت أن الطبيب الأشهر، والحاصل على لقب «سير» من ملكة إنجلترا لمجهوده فى مجال علاج الأمراض، الدكتور مجدى يعقوب، التحق بكلية الطب بمجموع 74% فقط... فيما لم يحصل الدكتور أحمد زويل، الفائز بجائزة نوبل عام 1999 عن أبحاثه فى مجال كيمياء الفيمتو، ومخترع ميكروسكوب يصور أشعة الليزر فى زمن مقداره فيمتو ثانية، وأستاذ الكيمياء بمعهد كاليفورنيا سوى على 80% بالثانوية العامة.. ولم يكن المهندس هانى عازر من أصحاب المراكز العشرة الأوائل بالثانوية، حيث حصل على 78.5%، لكنه واحد من أهم خبراء العالم فى مجال حفر الأنفاق، وقد اختير ضمن أقوى 50 شخصية فى ألمانيا.. فيما يحكى العالم المصري، فاروق الباز، أن حلمه كان دخول كلية الطب، لكن مجموعه بالثانوية العامة لم يؤهله لذلك، فالتحق بكلية العلوم، ليصبح بعدها واحدًا من أهم علماء الفضاء بوكالة ناسا.
والأعجب من ذلك أن عددًا هائلًا من العلماء والمبدعين، أجبرتهم الظروف على ترك المدرسة وعدم اتمام الدراسة، ورغم ذلك تحدوا الظروف وأصبحوا نجوما فى تاريخ الإنسانية مثل بيل جيتس، مؤسس العملاق مايكروسوفت والذى بلغت ثروته نحو 100 مليار، لم يحصل على الشهادة الجامعية، فقد التحق بجامعة هارفارد الأمريكية عام 1973، ورغم تميزه ترك الجامعة لإدراكه أنها ليست الأفضل لطموحه، ثم أسس مع صديقه آلن شركة مايكروسوفت لإنتاج البرمجيات.. وهناك الكاتبة والأديبة العالمية أجاثا كريستى صاحبة أكثر قراء ومتابعين على مستوى العالم بعد وليم شكسبير، حيث تم بيع ما يقرب من مليارى نسخة لكتبها، فهى لم تلتق تعليم بأى مدرسة وإنما تعلمت بالمنزل على يد والدتها بعيدًا عن أبواب المدارس والجامعات.. كما أن رائد الأدب الإنجليزى والمسرح بالعالم وليم شكسبير، والذى تدرس أعماله فى كليات الآداب بالعالم، ولد لعائلة ميسورة الحال وكان أبوه يعمل إسكافيا، والتحق بمدرسة القرية وهو بعمر السابعة إلا أن الأسرة حلت بها كارثة مالية فترك المدرسة ورحل إلى لندن وهناك ظهر نبوغه الشعري.
ومن النماذج التى برعت رغم عدم تفوقهم الدراسي، الأخوان رايت.. صاحبا أهم وأعظم الاختراعات فى التاريخ الإنسانى بعد أن قاما بصنع الطائرة واللذين كانا مهتمين بالميكانيكا منذ الصغر والتحقا بالمدرسة حتى التعليم الثانوى ولم يحصلا على أى شهادات.. وكذلك «توماس إديسون».. صاحب رابع أهم اختراع بالعالم وسجلت له 1003 براءة اختراع أهمهم المصباح الكهربائى والبطارية الكهربائية وساهم فى تطوير عدد من الاختراعات الأخرى كالهاتف والطابعة والقطار الكهربائى والمولد الكهربائى لم يلتحق بالمدارس سوى ثلاثة أشهر فقط، ووصفته مديرة المدرسة بأنه غبى وبليد، فقامت أمه بتعليمه بالمنزل حتى أصبح توماس إديسون أعظم علماء العالم.
والقائمة تضم أيضًا، جريجور مندل.. مؤسس علم الوراثة الذى التحق بمعهد أولموك للفلسفة، لكنه لم يكمل الدراسة.. وكذلك ميخائيل كلاشينكوف.. صاحب ابتكار السلاح الفردى والذى صنع منه ما يزيد عن مليون قطعة وتستخدمه نحو 55 دولة، ترك المدرسة بسبب الظروف الصعبة مع اندلاع الحرب العالمية الثانية.. وهما مايكل ديل.. مؤسس شركة ديل التحق بجامعة تكساس فى بادىء الأمر ولكن طموحه تجاوز الجامعة فأسس شركة ديل للكمبيوتر برأس مال لا يتجاوز الألف دولار، ثم وصلت إيراداتها حاليًا نحو 95 مليار دولار.
وفى عالم السياسة نذكر ونستون تشرشل.. وهو من أبرز شخصيات الحرب العالمية الثانية تولى رئاسة الوزراء أثناء الحرب فى الحكومة البريطانية له مؤلف الحرب العالمية الثانية من ستة أجزاء حاز على جائزة نوبل فى الآداب، لكنه لم يحرز أى نجاح بالمدرسة.