أصبحت أخبار حوادث الطرق، خاصة حوادث السيارات، وما ينتج عنها فى خسائر فى الأرواح، وإصابات تسبب عاهات مستديمة، وخسائر مادية جسيمة، وبالًا وغمًا عند عدد غير قليل من البيوت المصرية. ومن المعروف أن معدلات حوادث الطرق فى مصر من أعلى المعدلات العالمية، وأصبح هناك طرقا تسمى طرق الموت، والتى تتصدر قائمة معدل حوادث السير، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، طريقا المنصورة جمصة، والمنصورة المنزلة، وكلاهما من أكثر الطرق ازدحاما وأسوأها جودةً. وهذا الأسبوع فقط هناك أكثر من حادثة مروعة وقعت على هذين الطريقين، وعدد كبير من الوفيات، وللأسف الشديد، كان معظم الضحايا من الشباب وطلاب الجامعات.
وبرغم اعترافنا أن هناك مجهودات تبذل لتحسين جودة الطرق بصفة عامة، والجديدة منها بصفه خاصة، وببذل مجهود ملموس فى الخمس سنوات الماضية، لتحسين حالة الطرق القديمة، خاصة فى محافظات الوادى والدلتا، إلا أنه لا يمر يوم واحد دون حدوث حوادث مميتة على الطرق المصرية. ومع سماع أخبار شبه يومية بحوادث تخطف شبابا فى مقتبل العمر، ومع سماع قصص تدمى القلوب واختفاء أسر بكاملها على الطرق المصرية، وهو ما يشبه حالات الحرب العسكرية، كان لزاما علينا أن نفكر بهدوء لمحاولة تقليل معدل حدوث حوادث الطرق، والتى أصبحت بحق السبب الأول لوفيات الشباب من سن ١٥ إلى ٤٥ سنة.
وحسب الإحصائيات الرسمية المصرية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء للعامين ٢٠١٦ و٢٠١٧، كان إجمالى عدد حوادث السيارات على الطرق (١١٠٩٨ حادثة) فى سنة ٢٠١٧، (مقابل١٤٧١٠) حوادث فى ٢٠١٦، بنسبة انخفاض مقدارها ٢٤.٦%. وكان عدد الوفيات الناتج عن حوادث السيارات لعام ٢٠١٧ (٣٧٤٧ متوفيا)، مقابل ٥٣٤٣ متوفيا عام ٢٠١٦، بنسبة انخفاض قدرها ٢٩.٩٪. وكان هناك (١٣٩٩٨ مصابا) فى ٢٠١٧ مقابل ١٨٦٤٦ مصابا عام ٢٠١٦، بنسبة انخفاض ٢٤.٩٪. وكان هناك ١٧٢٠ مركبة تالفة فى ٢٠١٧. وهناك أيضا دلائل على أن أعداد الحوادث ونوعيتها قد انخفضت فى سنة ٢٠١٨ مقابل ٢٠١٧، وفى الربع الأول من ٢٠١٩ مقابل نفس المدة من ٢٠١٨، أى أن الأعداد فى انخفاض تدريجى نتيجة الانتهاء من إعادة تأهيل عدد من الطرق القديمة. ولكن يبقى السؤال المحير هو: لماذا تظل حوادث الطرق فى مصر من أعلى المعدلات العالمية؟
وترجع أسباب حوادث الطرق إلى ثلاثة عناصر أساسية، هى رعونة العنصر البشري، وتردى حالة الطرق، وعيوب فنية فى المركبات. أما سوء أحوال الطقس، فيقل تأثيرها فى مصر مقارنة بباقى دول العالم.
أولًا: رعونة العنصر البشري
أثبتت الدراسات المرورية المصرية أن ٧٠-٨٠ % من حوادث السير على الطرق المصرية يرجع إلى رعونة السائق، نظرا لعدم الالتزام بقواعد وآداب المرور. وفى غير قليل من الأحيان، تجد أن السائق ما زال طفلا دون الثامنة عشر من العمر، خاصة فى القرى والنجوع والشوارع الجانبية فى المدن. وفى كثير من الأحيان يكون السائق مدمنا ومتعاطيا للمخدرات، خاصة بين سائقى النقل الثقيل والتريلات. وتعتبر السرعة الجنونية والتخطى فى المنحنيات والسير فى الاتجاه المعاكس من أكثر مسببات الحوادث فى مصر. ورغم أن عدم ربط حزام الأمان، والتحدث فى التليفون المحمول أثناء القيادة يعتبر مخالفات مرورية، إلا أن هاتين المخالفتين لا يتم تطبيقها فى مصر فى أغلب الأحيان.
ثانيًا: رداءة المركبات
تمثل الأخطاء الفنية وسوء حالة المركبات ما يقرب من ٢٠-٢٥٪، من أسباب حوادث السير. خاصة أن فى شوارعنا مركبات مر على تصنيعها نصف قرن أو يزيد، ولا يوجد فى ثقافتنا العامة اهتماما بحالة المركبات الفنية، ولا التزامًا بالفحص الدوري، ولا اعتبارًا للعمر الافتراضى للمركبة والإطارات. وفى مصر تمثل مركبات النقل الثقيل والترلات نسبة كبيرة من الحوادث، بالإضافة إلى التلفيات التى تحدثها فى الطرق. ومن المعروف عالميا أن هناك طرق مخصصة للنقل الثقيل، وأخرى للسيارات، وثالثة للدراجات، ورابعة للإسعاف، إلا أن ذلك لا يتوفر فى معظم الطرق المصرية، وبخاصة فى الأرياف والمدن الصغيرة؛ حيث تتعدد فيها شتى أنواع المركبات من الدراجات الشخصية إلى الدراجات البخارية، إلى التوك توك، إلى الجرار الزراعي، إلى العربات الكارو والتريكسلات، والتى تجدها كلها تسير فى الطريق، وأحيانا عكس الطريق فى شكل يشبه السيرك، بلا ضابط ولا رابط.
ثالثًا: سوء حالة الطرق
وتمثل من ٥-١٠٪ من أسباب حوادث السير، وتقل فى دول العالم الغنية عن هذه المعدلات نطرا للإنفاق على الطرق والالتزام بالقواعد والمقاييس الهندسية، وهو ما لا يتوفر فى معظم البلاد النامية.
وفى مصر يوجد طرقًا فرعية وغير آمنة، ومطالع ومنازل عشوائية، تخرج منها السيارات على الطرق الرئيسية، وتتسبب فى وقوع الحوادث.
ولتقليل معدل حوادث السير فى مصر يلزم اتخاذ عدة إجراءات، لاحظتها وعايشتها بنفسى فى معظم البلدان التى زرتها، وأهمها:
١- يجب الالتزام بقواعد وآداب وقانون المرور، وتطبيقها على الجميع دون تمييز، والتدقيق عند منح رخص القيادة، وإجراء اختبار مخدرات للسائقين بصورة دورية. وكذلك يجب سحب رخصة القيادة من كل من سائق يرتكب مخالفات متكررة.
٢- يجب مراعاة إعداد وسلامة المركبات التى تسير على الطرق ومدى مطابقتها للمواصفات، ونسبتها إلى الطاقة الاستيعابية للشوارع، وبخاصة داخل المدن الكبيرة، ودراسة إمكانية السماح لعدد محدد من المركبات الدخول إلى المدن الكبري، مع توفير البدائل من طرق المواصلات العامة.
٣- رفع كفاءة الطرق وتطبيق القواعد الهندسية واشتراطات السلامة المتعارف عليها دوليا، خاصة على الطرق المزدحمة مثل طريق القاهرة الإسكندرية الزراعي.
وإذا كنا ندرك صعوبة رفع كفاءة كل الطرق القديمة فى الوادى والدلتا فى آن واحد، فيجب وضع خطة خمسية لذلك، ولنبدأ بالطرق المزدحمة والتى يطلق عليها طرق الموت.
٤- زيادة أعداد الكمائن المتحركة لمتابعة سير الطرق وانسيابية المرور، وإنشاء كاميرات للمراقبة ورادارات لقياس السرعة، خاصة على الطرق السريعة.
٥- إنشاء مراكز إسعاف على طول الطرق الطويلة، وتجهيزها بكوادر مدربة من المسعفين، لاتخاذ الإسعافات الأولية فى مكان الحادث، حيث تمثل الدقائق الأولى عقب حدوث أى حادثة حجر الزاوية فى إنقاذ حياة المرضي، ومنع العاهات الدائمة الناتجة عن الحوادث.
٦- البحث عن طرق للتمويل خارج الموازنة العامة للدولة. ويجب التفكير فى إشراك القطاع الخاص فى بناء طرق جديدة، أو رفع كفاءة الطرق القديمة، بنظام المشاركة بين القطاعين العام والخاص، أو بنظام حق الانتفاع لفترات محددة.
٧- إنشاء مراكز صيانة على طول الطرق الطويلة، وتجهيزها بما يلزم للتعامل مع الحوادث وتلفيات المركبات.
٨- استخدام التكنولوجيا الحديثة فى مراقبة الطرق من الجو، وكذلك إنشاء شبكة تواصل حديثة بين رجال المرور ومراكز الأسعاف.
٩- الاستمرار فى تطوير مرفق الإسعاف المصري، مع اعترافنا بما حدث من تقدم هائل فى هذا المرفق الحيوي.
١٠- زيادة حصة وزارة النقل من الموازنة العامة للدولة، لتمكينها من مواجهة التحديات العظيمة التى تواجهها.
وأخيرا، ومع اعترافى بالمجهود الجبار الذى يقوم به رجال المرور، ويقينى بأن القيادة السياسية تهتم بموضوع سلامة الطرق، واتخذت بالفعل إجراءات ملموسة على الأرض، وأحدثت تطويرا شاملا فى إنشاء الطرق والكباري، وأسندت هذا الملف المهم لأحد أهم رجالات القوات المسلحة، وهو الفريق مهندس كامل الوزير، فإننا نتطلع إلى مزيد من الاستثمار فى الطرق، وبنفس الأهمية التى نستثمر فيها فى التعليم والصحة. وأن نتخذ كل الإجراءات لوقف نزيف الدم على الطرق المصرية، لعل ذلك يمثل عزاء لكل من فقد عزيزا لديه فى حادثة طريق.