الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الأيديولوجيا الصهيونية وما بعدها «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يسعى الدكتور أحمد حماد أستاذ الإسرائيليات بجامعة عين شمس فى كتاب «الصهيونية وما بعدها.. قراءة فى الأنساق المضمرة» والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ٢٠١٨، إلى تحليل الأيديولوجيا الصهيونية، وما وراء الصهيونية وما بعدها كظواهر تاريخية لا يمكن أن تفهم إلا من خلال دراسة أنساقها المضمرة، علنا نتعرف على البنى التحتية التى شكلت الفكر الصهيونى والأيديولوجية التى لعبت دورًا كبيرًا فى رسم صورة الشرق الأوسط فى العصر الحديث. ومعروف أن الصهيونية تقوم على ثلاثة مرتكزات أساسية:
١ – رفض المنفى – أى رفض الوجود اليهودى خارج فلسطين، على اعتبار أن أى مكان يوجد فيه اليهودى غير فلسطين فهو منفى (بالمفهوم الدينى). وبالتالى لا بد من خلاص اليهود والعودة بهم مرة أخرى إلى فلسطين.
٢ – خلق يهودى جديد – لأنه من المنظور الصهيونى – لا يمكن إنهاء حالة المنفى والعودة إلى فلسطين بنفس الشخصية اليهودية التى تتسم بأنها شخصية انهزامية وسلبية تتقبل الامتهان والحياة على هامش المجتمعات ولا تسهم فى صنع التاريخ، لذا عملت الصهيونية على خلق شخصية يهودية جديدة تحمل سمات إيجابية ؛ قبل الانتقال إلى فلسطين. وتكون هذه الشخصية هى الضد المطلق للشخصية اليهودية المنفوية.
٣ – بعد العودة من المنفى وخلق الشخصية اليهودية الجديدة يمكن آنذاك إنشاء دولة لليهود. وتكون هذه الدولة، كما أرادت الصهيونية، يوتوبيا جديدة على أرض الواقع. لكنها فى النهاية أيضًا يوتوبيا الذات المهيمنة والموجهة للآخر فى كل سلوكياته وفقًا لمعايير الأنا الصهيونية. وبالتالى تكون الصهيونية قد سعت إلى الخروج باليهود – كطائفة دينية – من تحت الهيمنة الأوروبية / المسيحية لتضعهم من جديد فى هيمنة صهيونية لا دينية. أى أن اليهود فى جميع الحالات ضحايا لهيمنة الآخر عليهم وهدف لهذه الهيمنة أيضًا، سواء أكانت الهيمنة الأوروبية / المسيحية أم الهيمنة الصهيونية اللا دينية.
وبالتالى يمكن القول إننا أمام فكرة ثلاثية الأبعاد تبدأ بالتمرد على الوضع الراهن، وتواصل العمل بالإعداد لإنهائه وتنتهى بالفعل على الأرض. وهنا يمكن أن نتساءل هل كان اليهود فعلًا فى منفى – كما تدعى الصهيونية – وأنها جاءت لإنهاء هذا المنفى والعودة بهم إلى (أرضهم التاريخية)، كما يدعون؟ وهل استطاعت الصهيونية فعلًا خلق شخصية يهودية جديدة؟. وما الأسباب الحقيقية، المضمرة، لرفض الشخصية اليهودية المنفوية والعمل على خلق شخصية يهودية بخصائص جديدة تختلف كلية عن الخصائص القديمة؟.
يتناقض مفهوم الصهيونية مع مفهوم الاشتراكية. فالاتجاه الصهيونى، ظاهريًا. هو اتجاه ذو طبيعة قومية واضحة يتطلع إلى تجميع اليهود فى فلسطين. بينما يحاول الاتجاه الاشتراكى تجاهل البُعد القومى المرتبط بدولة معينة، ويؤكد على الطابع الطبقى العالمى للمجتمع: مستغلين (أى برجوازية تمتلك وسائل إنتاج) يدار بينهم قتال يسمى حرب الطبقات. ووجد مفكرو الصهيونية الاشتراكية الجسر بين هذين الاتجاهين ودمجوا الصراع الطبقى مع الحل القومى.
يرى الصهيونيون الدينيون أن اليهود يتعرضون لخطر كبير بسبب الانصهار بعد منحهم «العتق»، وليس دور الحركة الصهيونية هو الدفاع فقط عن الوجود الطبيعى والمادى لليهود (كما اعتقد هرتسل )، وإنما الهدف هو العمل أيضًا على أن تكون الحركة حركة توبة وتنقية لليهودية التقليدية وعلاجًا لكل اتجاهات العلمنة، التى أدت فى رأيهم، إلى أزمة روحية وابتعادا عن تقاليد الآباء. هذا لأن الصهيونية بشرائها للأراضى تنفذ أيضًا وصية دينية. وهنا أيضًا نجد اتحاد العلمانى مع الدينى فيما يمكن أن نطلق عليه (الخداع الأيديولوجى). حيث حاولت الصهيونية خداع الجماهير اليهودية المتدينة بأنها تسعى إلى تنفيذ الوصايا الدينية، بينما هى فى الحقيقة، فى المضمر، لا تسعى إلا إلى تهميش الدين وتنصيب نفسها دينًا بديلًا لليهود. وفى الوقت نفسه، حاول الكهنوت المهيمن ممارسة نفس الخداع الأيديولوجى مع الصهيونية بحيث يقنعها بالتحالف من أجل تحقيق الهدف المشترك، بينما هو أيضًا – فى المضمر – يسعى إلى قهر الصهيونية وتهميشها أمام مركزية الكهنوت اليهودى.
لقد صاغ الأيديولوجية الصهيونية مثقفون روس يهود عاش أغلبهم فى روسيا ونهلوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة من أدب وفكر روسى، بل واصلوا التأثر بالأدب والفكر الروسى بعد أن غادروا روسيا. وأغلب قادة الصهيونية كانوا أدباء وشعراء ونقادًا، حيث إن تدخل الأدباء فى السياسة والسياسيين فى الأدب كان تقليدًا روسيًا قويًا انتقل بالوراثة الجينية إلى الحركة الصهيونية، ليس باعتباره مؤثرًا خارجيًا، وإنما باعتبارها أحد الروافد المؤسسة لهذه الثقافة.
لقد حدثت أزمة أيديولوجية دعاة الهسكالاة اليهود فى روسيا (الذين كانوا جميعًا على دراية بالثقافة الروسية، بحكم كونهم روسًا فى المقام الأول، ويدينون ثانيًا بالديانة اليهودية) فى الوقت نفسه مع أزمة قيم عميقة ودرامية اجتاحت الثقافة الروسية العليا فى الثمانينيات، تمثلت فى الإحباط من نظريات الوضعية الليبرالية والعلمانية غرب الأوروبية، التى سادت بين مثقفى روسيا نفسها فى الستينيات والسبعينيات.
وللحديث بقية