الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

السعي إلى الرخاء «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع الأكاديمى الصينى جاستن ييفو لين وكبير الاقتصاديين فى البنك الدولى والنائب الأعلى لرئيس البنك. والحاصل على الدكتوراه فى الاقتصاد من جامعة شيكاغو الأمريكية، فى كتاب «السعى إلى الرخاء.. كيف تنطلق الاقتصادات النامية»، والذى نقلة إلى العربية حمدى كيلة والصادر عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٨، بقوله: وبدأ التقرير بملاحظة أن النمو السريع المستدام لا يحدث عفويًا، إنه يتطلب التزامًا طويل المدى من قبل القيادات السياسية للدولة، والتزامًا مقرونًا بالصبر والمثابرة والبرجماتية. خلاصة التقرير متفائلة: إن النمو السريع المستدام ليس معجزة مقصورة على أجزاء معينة من العالم، كل الدول النامية تستطيع أن تحققه. والأكثر أهمية من قائمة «مكونات النمو»، التى هى نطاق عريض من روشتات السياسات التى تعتمد صلاحيتها على سياقات وظروف محددة، هى قائمة التقرير المكونة من خمس حقائق تطبيقية متفق عليها أو «تشابهات مدهشة» بين كل الدول فائقة النجاح. أول وجه للتشابه بين تلك الدول هو استغلالها الذكى والكامل للاقتصاد العالمى.
فأثناء فترات نموها السريع، حصلت كل الدول الناجحة على أقصى استفادة من العولمة. وقد فعلت ذلك بطرق متعددة: استوردت الأفكار والتكنولوجيا والخبرة الفنية من بقية العالم، العالم الذى أصبح أكثر انفتاحا، وأشد اندماجا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد استغلوا أيضا الطلب العالمى، الذى قدم سوقا بلا حدود تقريبا لبضائعهم. باختصار، الدول الناجحة استوردت «ما يعرفه بقية العالم، وصدرت إليه ما أراد»، وربما ما يدعو لكثير من الدهشة أن الدول غير الناجحة قد فعلت العكس. 
الحقيقة التطبيقية المتفق عليها الثابتة عن أفضل الدول أداء هى حفاظها على بيئات الاقتصاد الكلى. فخلال أكثر فتراتها نجاحًا، تجنبت كل الدول الثلاث عشرة مشكلات عدم القدرة على التنبؤ – فى السياسات المالية الحكومية والنقدية التى تدمر استثمار القطاع الخاص. لقد كان النمو مصحوبا أحيانا بتضخم معتدل فى بعض هذه الدول (كوريا الجنوبية فى السبعينيات، والصين فى منتصف التسعينيات) ولكن الموقف لم يخرج قط عن السيطرة. 
السمة الثالثة للدول مرتفعة النمو هى ارتفاع معدلات ادخارها واستثمارها، وهو ما يعكس استعدادها للتنازل عن الاستهلاك الحالى سعيا إلى دخول أعلى فى المستقبل وعذرًا استطراد بسيط بشأن أسباب الإدخار. فقد يدعى البعض إن هذه الحقيقة التطبيقية المتفق عليها تقوم على أسس فلسفية وثقافية. فمنذ زعم ماكس فيبر إن مجموعة من القيم والمواقف مرتبطة بالأخلاق البروتستنية (مثل التقتير أو التقشف أو العمل الشاق أو العقلانية) تشكل أساس التقدم الاقتصادى والمادى أفصح كثير من الكتاب عن نظريات تنموية قائمة على الثقافة.
رابع نقاط التشابه بين الدول الناجحة هى التزامها بنظام سوق لتخصيص الموارد. وقد سجل تقرير لجنة النمو أن القرن العشرين شهد تجارب عديدة مع بدائل لنظام السوق، فشلت كلها فى مساعدة الدول النامية على تحقيق تنمية مستدامة وعلى الرغم من أن الدول الناجحة قد تختلف فى كثافة وقوة نظم حقوق الملكية فيها فان كلا منها تبنت آلية سوق تعمل بشكل جيد وفرت مؤشرات أسعار دقيقة وصنع قرار شفاف، وحوافز جيدة حكوماتها لم تقاوم قوى السوق فى إعادة تخصيص رأس المال والعمل من قطاع إلى قطاع ومن صناعة إلى صناعة. 
السمة الخامسة للدول عالية الأداء فى العينة هى الحكومات الملتزمة وذات المصداقية والقادرة فى بعض الاقتصادات مثل هونج كونج اختارت الإدارة منهج عدم التدخل فى الاقتصاد على الرغم من أنها كان لديها أيضا عدد كبير من السياسات القطاعية خلال فترات الاستعمار وما بعد الاستعمار وفى اقتصادات أخرى كانت الدولة أكثر تدخلًا بوسائل مختلفة (الإعفاءات الضريبة الائتمان المدعوم والاقتراض الموجه) فى عالم الأعمال لمساعدة المشروعات الخاصة على الدخول فى صناعات لم تكن لتدخلها لولا ذلك. 
إن النمو المستدام الذى يستطيع أن يساعد على التغلب على الفقر هو عادة عملية تستغرق عدة عقود وتحدث فقط فى بيئة استثمار مستقرة ومشتغلة إنها تتطلب قيادة سياسية وحكومات فعالة وبراجماتية وفى بعض الأحيان ناشطة سياسيا واجتماعيا. وتقرير لجنة النمو يحدد أيضا سلسلة من «الأفكار الرديئة» ليتجنبها صناع السياسات فى سعيهم للنمو والقائمة، على سبيل المثال لا الحصر، تضم دعم الطاقة والاعتماد على الإدارات الحكومية فى التعامل مع البطالة وتخفيض العجز المالى الحكومى عن طريق الاقتطاع من الإنفاق على الاستثمار فى البنية الأساسية وتقديم حماية مفتوحة زمنيًا للشركات المحلية وفرض تحكم فى الأسعار لمواجهة التضخم وحظر الصادرات لفترات طويلة ومقاومة التحضر وقياس التقدم فى التعليم من خلال البنية الأساسية. 
وفى الخاتمة يقول جاستن ييفو لين: «إن النمو الاقتصادى الحديث بطبيعته عملية من التغير الهيكلى المستمر فى التكنولوجيات والصناعات والبنية الأساسية، والمؤسسات الاجتماعية الاقتصادية». وأعتقد أن كل الدول النامية تستطيع أن تنمو بمعدل ٨٪ أو أكثر لعدة عقود، وأن تقلل الفقر بشكل جوهرى، وأن تصبح دولًا متوسطة الدخل أو مرتفعة الدخل فى ظرف جيل أو جيلين.