تناولت الصحف موضوع رفض دكتور بكلية الآداب جامعة المنصورة، الإذن لطالبة بالذهاب للحمام –رغم توسلها وتذللها وبكائها المتكرر أثناء الامتحان، وكانت النتيجة أنها تبولت وتغوطت فى ملابسها، ورغم أنها عرضت على الدكتور أن يتم تفتيشها وأن تصاحبها إحدى المراقبات إلى الحمام للتأكد من أنها تريد أن تقضى حاجتها وأنها أصبحت غير قادرة على التحكم فى نفسها، وليس القصد الاختلاء للغش من أوراق تخفيها. لكن الدكتور برر رفضه بأنه لن يسمح لها أو لغيرها بالذهاب للحمام لنهاية الامتحان.
الموضوع كبير وخطير ومتشعب، ولا يمكن أن أوفيه حقه فى مقالة محدودة المساحة، ولكنى فى عجالة سأضع رءوس أقلام تمس جوانب الموضوع سريعا، وألخص رأيى كالتالي:
ـ الجريمة وقعت بمجرد المنع من الذهاب للحمام، حتى وإن لم تحدث واقعة التبول، فتناول الموضوع بسبب واقعة التبول وليس بسبب واقعة المنع، هو إفراغ للأمر من محتواه، وانحراف كامل عن القضية الأساسية، وبالتالى هناك مئات جرائم «منع» يوميا لا نسمع عنها.
أعلن رئيس الجامعة استعداده لمقابلة الطالبة فى مكتبه لتطييب خاطرها، وأن التحقيق سيأخذ مجراه، وكأن رئيس الجامعة فرعون فى برجه العاجى وعليه حراس غلاظ، وكأنه يكفيه تسامحا الإذن للطالبة بالدخول إلى بلاطه، وكان الطبيعى أن يزور رئيس الجامعة الطالبة بمنزلها. أما عميد الكلية فبرر الأمر بأنه ليس بين الدكتور والطالبة أى خلافات وأن الدكتور طبق أمر المنع على الجميع!
ـ توجه زوج الطالبة وأهلها للشكوى لوكيل الكلية، فوجد كما يقول «لا مبالاه» وعدم تعاطف من الأساتذة، وبالتالى لجأ لتحرير محضر شرطة. وربما ما وصلت الأمور لإبلاغ الشرطة، لو كانت إدارة الكلية قدمت الدعم والتعاطف اللازمين للطالبة وأهلها.
ـ يقول زوج الطالبة: إنها كانت تريد عدم الذهاب لأداء باقى الامتحانات، لانهيارها نفسيا، ولكنه والأهل والزملاء ضغطوا عليها، وحضرت فعلا باقى الامتحانات.
ـ منذ 35 عاما كنت باحثا ببرامج ما بعد الدكتوراه فى أعرق وأرقى جامعة بالعالم فى الهندسة والفضاء والتكنولوجيا MIT فى كامبريدج بالولايات المتحدة الأمريكية، وألحقت ابنى بمدرسة RUNKLE للتعليم الأساسي، وذهبت أنا ووالدته وأخوته معه فى اليوم الأول، وكان أول شىء أن أخذتنا مدرسة الفصل [مسيز وايت] وعرفتنا بالفصل، وأشارت إلى لوحة بجوار باب الفصل من الداخل، معلق عليها ميداليات بعدد الطلاب، وكل ميدالية عليها اسم طالب، وقالت قل لابنك إذا أراد الذهاب لدورة المياه فليذهب دون استئذان، وعليه فقط أن يأخذ الميدالية التى عليها اسمه ويعلقها على لوحة أخرى مجاورة. وبذلك تعرف مدرسة الفصل أن الطالب فلان قد ذهب لدورة المياه، فقد تكون المدرسة مشغولة مع طلبة آخرين أو غير ذلك. ثم أخذتنا إلى دورة المياه حتى يعرف ابنى طريقه من الفصل إلى دورة المياه. دارت الأيام وذهبت إلى مدرسة تابعة لإدارة مصر الجديدة التعليمية لأختم ورقة تخص ابنى بخاتم النسر، فوجدت معلمة تكيل لطلاب صغار سيلا من الشتائم وتقول (عقابا لكم على عدم النظام، لن تذهبوا للحمام حتى آخر اليوم).
ـ فى ديننا الحنيف، لا تصح الصلاة، إذا كنت تحاول مجرد تأجيل قضاء حاجتك بحجة عدم نقض الوضوء، وفى آداب المنصورة، أنت لست كائنا بشريا لك جهاز هضمي، بل أنت جماد فاقد الإحساس، أما فى كامبريدج فلا استئذان فى تلك المسألة، لأن من يصدر إذنا يستطيع الامتناع عن إصداره، فى كامبريدج يعطون الحق لطفل فى السادسة من العمر دون أن يطلبه، وفى المنصورة يمنعون الحق عن طالبة جامعية مريضة وأم لرضيع.
ـ لم نسمع رأيا لحاكم الإقليم (محافظ الدقهلية) ولم نسمع رأيا لوزير التعليم العالي، وتناول الإعلام الموضوع كخبر، ولم نسمع رأيا لأساتذة الطب النفسي، ولم نسمع بيانا لحقوق الإنسان.
ـ الطالبة نفسيا كانت ترفض الذهاب لباقى الامتحانات وبالتالى ترسب فى عدة مواد، فلماذا لم تسلم ورقة الامتحان، وتذهب إلى الحمام، حتى لو رسبت فى تلك المادة؟ وتتفادى تجبر وتسلط الدكتور! السبب هو الخوف المزروع فى نفوس الطلبة من الأساتذة. ولماذا لم تقف إحدى السيدات المراقبات فى وجه الدكتور المتجبر؟ السبب هو أولوية أكل العيش على المبادئ.
ـ فى المدارس المصرية يشترطون حصول المدرس على مؤهل تربوى مهما كان تخصصه، فلماذا لا يطبق بالجامعات.
ـ كارثة جوية راح ضحيتها المئات بسبب خوف ورعب مساعد الطيار من قائد الطائرة، فقد وقع خطأ لاحظه المساعد ولم يلحظه القائد. وظل المساعد مكتفيا بتنبيه القائد شفاهة بالخطر، وكان فى مقدور المساعد أن يتدخل بسهولة وينقذ الطائرة، لكنه لم يجرؤ ومات الجميع.
ـ أخشى اقتراح البعض حمامات بحوائط زجاجيه لمراقبتها، أو حمامات مظلمة حتى لا يستطيع الطلبة القراءة فيها، أو وضع كاميرات مراقبة، أو وضع شريط أسود لاصق على عيون الطالب قبل دخوله الحمام. إنها جريمة شنعاء بكل المقاييس.
mohsennaggar@alum.mit.edu