منذ صرت كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي، أصبحت لدىّ فرصة واسعة للتفكير فى مثل أمريكى قديم: «كن حريصًا فيما تصبو إليه، فقد تحصل على ما تريد»، فقد تزامن تقلدى المنصب مع اندلاع أهم أزمة مالية واقتصادية، فى كل من حجمها ومداها، منذ الكساد الكبير. لم تكن هناك دولة محصنة تجاه التباطؤ الاقتصادي. وقد قلل معظم الخبراء الاقتصاديين والماليين بشدة من قدر الأزمة من حيث توقيتها وسرعتها وحدتها. فقد فهم صناع السياسات بسرعة مستوى الأزمة غير المسبوق تقريبًا وأخطارها. وقد كان أثرها يمثل جزءًا صغيرًا من الناتج المحلى الإجمالى العالمي، ولكن هذه المرة، ضربت الأزمة تقريبا كل الاقتصادات المتقدمة والنامية فى نفس الوقت، جاعلة من المستحيل على أى دولة منفردة أن تنجو من البطالة المرتفعة أو الطاقات العاطلة الكبيرة من خلال تصرفات فردية فى مجال النقد أو سعر الصرف أو السياسات التجارية. من هنا تأتى أهمية كتاب «السعى إلى الرخاء.. كيف تنطلق الاقتصادات النامية» للأكاديمى الصينى جاستن ييفو لين وكبير الاقتصاديين فى البنك الدولى والنائب الأعلى لرئيس البنك. والحاصل على الدكتوراه فى الاقتصاد من جامعة شيكاغو الأمريكية، والذى نقلة إلى العربية حمدى كيلة والصادر عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٨.
من كيين شيء هونج، أول أباطرة أسرة كين وسورة العظيم، إلى فراعنة مصر وأهرامهم، ومن الأسكندر ملك مقدونيا وكل المدن التى بناها، إلى لويس الرابع عشر وقصوره المتألقة، كان قادة العالم السياسيون غالبًا مهووسين بتحقيق المجد من خلال الانتصارات السياسية، والإنشاءات التى تخلدهم، وربما تحسن من حياة شعوبهم. لكن المثقفين والدارسين بدأوا يفكرون تفكيرًا منهجيًا فى استراتجيات النمو الاقتصادى فى نهاية القرن الثامن عشر فقط. هناك سؤال محير آخر يواجه الاقتصاديين، وهو كيف يقوم انتشار التكنولوجيا فى بعض البلدان بتوليد أو استدامة النمو؟ ولماذا لا يتجذر فى بلدان أخرى، فتشيلى واليابان وسنغافورة تبنت بنجاح تكنولوجيات أتيحت لها من بلدان أكثر تقدما لكى تطلق تطورها الصناعي، بينما جمهورية الكونغو الديمقراطية وجاميكا ونيبال واجهت صعوبات فى القيام بنفس الشيء. وبخلاف الفروق فى المؤهلات الأولية والمسارات التاريخية والاقتصادية الاجتماعية، ما الذى منع الأخيرة من القيام بما قامت به الأولى؟ بينما أوافق تمامًا على أهمية تراكم رأس المال البشرى فى استدامة النمو، اعتقد أيضًا أن الذى يميز حقيقة بين النمو الاقتصادى الحديث والنمو ما قبل الحديث هو الأسلوب الذى يدمج به الابتكار فى ممارسات الأعمال والتنمية وفى السرعة التى يحدث بها هذا الدمج. بداية فى القرن الثامن عشر، كانت بعض الاقتصادات قادرة على الانتقال من الابتكار الخارجى القائم على الخبرة إلى العلم والابتكار الداخلى القائم على التجربة، وهذا التغير سرع من الابتكار التكنولوجى والتحول الهيكلى ونمو الدخل.
وللحديث بقية.