الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

شواطئ.. انحسار الحضارة الغربية «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى تقدير شبنجلر، يُقارن انحسار الغرب بدقة تضاؤل العالم الإغريقي الروماني فى المسار والدوام. وما يحدث حولنا وداخلنا سيستمر خلال القرون الأولى من الألفية المقبلة، وبعد ذلك سينتهي حتمًا «تاريخ الجنس البشرى غرب – الأوروبي». والغرب المسيطر الآن على العالم بأسره، هو المجتمع المتقدم الوحيد، الذي لا يزال فى مرحلة الإنجاز. وكما هى الحال فى المجتمعات المعمرة المماثلة فى الماضي، لن يشمل انحساره شيئًا أقل من مشكلة الحضارة. وكان هذا الطور من وجوده يتطور إلى ازدهار كامل فى العقود الأولى من القرن العشرين، وعلى رغم ذلك جاءت بداياته مبكرة إلى حد كبير. 
وكما اعتقد المؤرخ السويسرى جاكوب بوركهات أن العادات والمعتقدات الأوروبية تدهورت منذ الثورة الفرنسية ١٧٨٩، يرى شبنجلر هذا الحدث البارز بأنه نهاية طور ثقافة الغرب وبداية طور حضاراته. وقبل نهاية الحرب العالمية الأولى، وبينما كان شبنجلر يكتب الانحسار، شعر المؤلف بشيء من اليقين أن النزاع ما كان إلا بداية لكثير من الحروب المقبلة؛ فقد توقع أن ينكشف القرن العشرين لا كعصر للسلام، والتقدم، والديمقراطية التى يتوقعها الناس، بل كفترة للإمبريالية، والاستبداد، وحروب شبه مستمرة. وقد حذر «كان قدرنا أن نعيش فى أكثر الأوقات الصعبة المعروفة فى تاريخ ثقافة عظيمة»، وأشار شبنجلر، مع ذلك فعلى الرغم من الجو الدامي الغامض للقرن لا يزال الغرب الحديث يافعًا كحضارة؛ سيتطلب انحساره مئات من السنين حتى يصل إلى درجة الاكتمال. 
وكما كان دائمًا فى الماضي، فإن الوضع الرئيس للطور النهائي هو المدينة العالمية. ارتأى شبنجلر على نحو صحيح أن المدن الكبرى فى عصره لم تتطور بشكل كامل. وكتب فى العقد الثاني من القرن العشرين «أنا أرى، بعد فترة طويلة من عام ٢٠٠٠، مدنًا تستوعب من عشرة إلى عشرين مليون نسمة، وتنتشر فى مناطق هائلة من الريف، تنشأ بها مبانٍ تفوق المباني الضخمة ارتفاعًا فى هذا العصر، وأفكار عن المرور والاتصالات نعتبرها رائعة إلى حد الجنون. ولاحظ شبنجلر أن الفكر الفلسفي الحديث يظهر أيضًا علامات مشتركة على فترات الانحسار «كل فلسفة العصر الحاضر ليست سوى تنازل واستسلام داخلي.. وصلت إلى ما كانت عليه فى العصور الرومانية». 
إن السهولة التي دمرت بها الثورة الروسية عام ١٩١٧ الطبقات الاجتماعية فى البلاد، تعد إثباتًا فى حد ذاته على أن تركيب النبلاء، والتجار، وسكان المدن الصغيرة والفلاحين مجرد تقليد يخلو من أي معنى محلى حقيقي. وعلى الرغم من ذلك، لم يقدم النظام الذي استبدل القياصرة المستغربين إلا شكلًا آخر من أشكال التشكل العضوي الكاذب. وفى ظل سيطرة البلاشفة الذين كانوا أيضًا غربيي الروح، اتبعوا برنامج مدن كبرى «متحضر» وغير مناسب لروسيا.. وللحديث بقية.