حقيقة يعرفها الجميع، ولكن للأسف الشديد لا تطبقها إلا المجتمعات المتقدمة والتى تعرف كيف تستثمر أموالها فى الطب الوقائى لكى تحافظ على صحة مواطنيها وفى نفس الوقت توفر الأموال التى تنفق على الطب العلاجي.
ولقد تيقنت مصر إلى أهمية الطب الوقائى حديثا جدا، وبدأت حملات مسح شامل للقضاء على الفيروسات الكبدية الوبائية (فيروس س) والأمراض غير السارية خاصة الضغط والسكر والسمنة، وهى الأمراض المنتشرة بين المصريين وبنسب أعلى من المتوسط العالمي.
ومع نهاية المرحلة الثالثة والأخيرة من حملة ١٠٠ مليون صحة، والمسح الدقيق لقرابة ٥٠ مليون مواطن مصري، تكون وزارة الصحة قد قامت بعمل عظيم وغير مسبوق على المستوى الدولي، لاقى استحسان كل المصريين، وكذلك لاقى الإشادة الدولية من جميع دول العالم ومن منظمة الصحة العالمية.
ومع هذا النجاح منقطع النظير، والجهد المشكور والتعاون المثمر بين كل مقدمى الخدمات الصحية المصرية يبقى السؤال المهم وماذا بعد؟ هل انتهت المشاكل الصحية بانتهاء الحملة؟ وهل أتم القطاع الوقائى بوزارة الصحة دوره وانتهت مسئولياته تجاه صحة المصريين؟ والإجابة ببساطة هى إن ما قامت به وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية وغيرهما من مقدمى الخدمات الصحية ما هو إلا البداية الصحيحة لقطاع هام جدا وهو قطاع الطب الوقائي، الذى يجب أن ينال حقه من الاهتمام والتمويل والاستمرارية وبنفس القوة التى لمسها كل مصرى فى الحملة الأخيرة.
أمام القطاع الوقائى دور كبير لمنع حدوث الأمراض (الوقاية الأولية)، من خلال التطعيمات التى تقى من حدوث الأمراض المعدية والتى تبدأ من أول يوم للولادة وتستمر حتى نهاية العمر فى برامج التطعيم التى أقرتها منظمة الصحة العالمية، والتى تقوم بها وزارة الصحة المصرية بنجاح ومنذ أكثر من نصف قرن.
والتى ثبت بالدليل القاطع فاعليتها من الوقاية من أمراض فيروسية عديدة مثل الفيروس الكبدى (ب)، والحصبة والحصبة الألمانية والحمى النكفية، والفيروس المسبب لشلل الأطفال وغيرها. ومن أمراض بكتيرية مثل الدفتريا والتيتانوس والسعال الديكى والدرن وغيرها، والتطعيمات الموسمية ضد الأنفلونزا والحمى الشوكية وغيرها، وحديثا التطعيم ضد الفيروس المسبب لسرطان عنق الرحم ويعطى للبنات من سن ١٣ إلى ٢٦ سنة.
وهناك الوقاية الثنائية وهى الاكتشاف المبكر للأمراض قبل حدوثها أو فى مراحلها المبكرة، مثل الكشف على أطفال المدارس لاكتشاف الصمم وضعف النظر وفقر الدم والتقزم والديدان المعوية، والكشف الدورى للسيدات لاكتشاف سرطان عنق الرحم وسرطان الثدي، وللرجال لاكتشاف سرطان البروستاتا والقولون وسرطان الرئة والكبد وغيرها من الإجراءات الوقائية التى ثبت فعاليتها فى الاكتشاف المبكر للأمراض.
المجال يتسع يوما بعد يوم أمام الطب الوقائي، ويجب أن نستمر فى الاستثمار فى الصحة، وأن نخصص كل التمويل اللازم للحفاظ على صحة المصريين وأن ندرك أن كل جنيه نصرفه على الوقاية يوفر آلاف الجنيهات التى نصرفها على العلاج.