الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

د. خالد بدوي يكتب.."نعم أنا دكتور جامعي"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عانيت سَهر الليالي طيلة أربع سنوات طِوال أحاول فيها أن أكون الأول على دفعتي وَسَط صراع الأوائل الذي لا يهدأ ولا يستقر، أُداعِب الكُتب والمراجع ليلًا كُل يوم؛ حتى تُداعبني ذاكرتي يوم الامتحان وتُشفِق عليّ. 
أربع سنوات تُمثل كِفاحًا غيرُ مُنقطع لِي ولزملائي من حَمَلة البكالوريوس في التربية الرياضية، ومِثلهم في كُليات أُخرى، قد تَطول المُدّة بحسب التخصص أو تَقصُر، المهم أنني أصبحت دكتورًا في الجامِعة. 
يُطلَب مني وأنا بدرجة "مُعيد" وسِنّي لا يتجاوز الحادي والعشرين أن أكون مُهندَمًا في مَلبَسي، وآمنًا في مَسكَني، وقانِعًا مُستقرًا لدراستي، وراتِبي الإجمالي -دَخلِي- لا يتجاوز ٢٤٠٠ جنيه مِصري. 
بل وأمامي فقط خمس سنوات للحصول على درجة الماجستير التي بالطبع تتطلّب الدراسة والبحث والتجريب والتنظير وصولًا للدفاع عن الرسالة المُقدّمة، والتي قد تتكلّف ما يزيد عن ٥٠ ألف جنيه مِصري. 
وبعد شِق الأنفس وكَدح السنون، والدَين لكل من أعرفه أحصل على درجة "مدرس مساعِد" بإجمالي راتب لا يتعدّى ٣٤٠٠ جنيه مصري. 
أنا فقط أذكر لكم حقيقة ما يعانيه شباب هيئة التدريس، من حالة العَوَز المُلحّة، وكثرة المطالبات عليهم والضغوطات.
ولا أُزايد على أحَد أو أنتقص من محاولات أحد للإصلاح لكنها الحقيقة المؤلمة التي يعانيها نحو ١٢٠ ألف عضو هيئة تدريس، كانت رواتبهم في السبعينيات تتساوى مع رواتب رؤساء المحاكم، وحينما يَمُر عليه عَشر سنوات من الأستاذية يكون بدرجة وزير. 
نعم أنا دكتور جامعي لا أطلب مَطلبًا غريبًا ولا أنتهِز فُرصةً لمطلب فِئوي، ولكنني أطالبكم جميعًا بمشاركتي في حَل مُعضلتي، كيف تكون ٥٠٠٠ جنيه مصري كراتب لدرجة "مدرس دكتور" كافيةً لقضاء عوائز منزل وزوجة وأطفال وسكن ومواصلات وملبس ودراسات بحثية ومؤتمرات علمية؟ 
وحينما نتحدّث عن المكانة العِلمية فأنا أقول إنه لا مَكانَة لأستاذ جامِعي عالِم بمجال تخصصه وهو لا يستطيع أن يبتاع ملبسه أو يصل إلى جامعته مُكرّما. 
إن المكانة العِلمية إن انفصلت عن المكانة المادية فلا جَدوى منها، وإن كنّا نتحدّث عن مذكرات أو كُتُب تُباع فهذا غير منطقي، فلا يجب أن نحتسب كليات لا يتجاوز عدد طلابها الـ٤٠٠ طالب ولا تفرِض على طلابها شراء كُتب أو مذكرات. 
كيف لأستاذ مساعد قد تجاوز عُمره الخامسة والثلاثين أن يقضي عوزه براتب لا يتعدى ٦٠٠٠ جنيه مصري.
هل من المنطقي أن يكون إجمالي الأساسي الذي يتقاضاه الأستاذ الدكتور الذي قضى من عمره أكثر من ٣٧ عامًا في دراسة وبحث وتعليم وتعلم ما يقرب من ١٠٠٠ جنيه، وأن حدث وتوفّاه الله لن يتقاضى ورثته إلا مبلغ حوالي ٨٠٠ جنيه على سبيل المعاش؟!.
وسؤالي إلى السيد الأستاذ الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب، الذي يُمثّل فئة أعضاء هيئة التدريس بصفته أستاذًا للقانون بإحدى جامعات مصر، متى سنرى مَشروع قانون جديد لهيكلة رواتب أعضاء هيئة التدريس الذي لم يمسّه مسئول منذ السبعينيات؟
كما أود توجيه نفس السؤال إلى السيد المحترم وزير المالية والذي رَد على مقال الأستاذ الدكتور خالد منتصِر، والذي أوضح فيه معاناة هيئة التدريس في الجامعات إلى مَتى سيادة الوزير سيستمر حال هيئة التدريس في تدنّى رواتبهم؟
إن الأمم ترتقي بعلمائها، وإكرام العلماء هو إكرام للأمم، ومكانة العلماء لا ترتبط أبدًا بمكانة علمية فقط، يكدح في مسيرها أستاذ الجامعة ويلهث ولا يقابل لهثه إلا الفُتات الذي لا يقضي حتى ١٠ أيام من الشهر.
إن أعضاء هيئة التدريس في جامعات مصر تثق وتنحاز إلى جانب الوطن في كل موقف عصيب. 
نعم.. إنهم من يشكلّون عقول ٣ ملايين طالب سنويًا، ألا يستحقون نظرةً موضوعية على أحوالهم وأحوال عوائلهم؟