قبل أشهر فاجأ المشير عبد الفتاح السيسى القوى المدنية - أثناء لقائه بهم في تفتيش حرب الفرقة 9 مدرعات في المنطقة المركزية – بخطاب اعتبره كثيرون وكنت منهم صادما، فبينما كان العباد يئنون من أقصى البلاد لأدناها من وطأة حكم الإخوان، قال السيسى بعبارة حاسمة: "لا تغيير بدون انتخابات وعودة الجيش تعنى الرجوع بالبلد إلى ثلاثين او أربعين سنة للوراء.. فلا تلعبوا بالجيش لأنه نار".
حتى ذلك الحين لم تكن حركة "تمرد" قد تبلورت بعد في الشارع المصرى وإن كان البسطاء الذين رأوا في ممارسات الحكم الإخوانى عدائية تجاه الوطن وهويته وثقافته تطابق تماما ممارسات الاحتلال الأجنبى، وراحوا يطلقون صيحات متفرقة للقوات المسلحة لتنقذ الدولة من خطر التقسيم والشعب من مقاصل القتل والتعذيب التي نصبتها عناصر الجماعة منذ ديسمبر 2012.
الاختلاف في تقدير ملابسات اللحظة بين المؤسسة العسكرية والشارع الذى لم تكن قد نضجت فكرة التمرد في ذهنه بعد ويأمل في أن يخوض الجيش معركته بالنيابة عنه جعل كلمات القائد العام للقوات المسلحة صادمة لاسيما أنه لم يسلم من تهمة "الأخونة".
غير أن قناعة المصريين بوطنية جيشهم وانتمائه الصميم لهم لم تحملهم على الاستسلام لتلك الشائعة الإخوانية وفى ذات الوقت جعلت من كلماته شفرة عجزوا عن فك طلاسمها وقراءة ما يدور في عقل القائد العسكرى الذى تعهد بالثأر لجنوده الـ "16" الذين اغتالتهم أيدى جماعة الرئيس.
حينها تساءلت في نفس هذه الزاوية كما تساءل كثيرون عن "شفرة السيسى" وأتت الإجابة في الثالث من يوليو لتؤكد ما ثبت في وجدان المصريين بشأن جيشهم طوال سبعة آلاف عام، فهم قائده الأعلى وليس أحد سواهم.
اليوم وقد خرج المصريون يتحدون الإرهاب بصدورهم ويؤكدون تمسكهم بالسيسى رئيسا حتى قبل أن يترك له المجلس العسكرى حرية الاختيار في الترشح للانتخابات الرئاسية، أضحى عبد الفتاح السيسى شفرة لحل طلاسم أزمة الوطن.
هكذا تنظر إليه الملايين.. هو مفتاح الحياة ليس في ذلك تأليه أو صناعة لفرعون، لنتذكر كيف خرجت الملايين تطالب زعيمها المهزوم في 1967 بالبقاء.
لقد آمنت بأنه مفتاح النصر، ولم يكن إيمانها عاطفة حمقاء، فالزعيم لم يخيب ثقتهم واستطاع أن يمهد الأرض لواحٍد من أعظم الانتصارات العسكرية في التاريخ.
الآن أيضا، اختيار المصريين لرئيسهم ليس عاطفيا أو استجابة لكلمات رنانة، هم يعرفون جيدا أى رجل اختاروا .. ولأى مهمة طلبوه لأجلها.
السيسى في حد ذاته بالنسبة للمصريين برنامج عمل وطنى لذلك فإن عبئه يكاد ينوء بحملة جبل المقطم بسلاسله الممتدة، أتصور أن أعظم مهمة من واجب المشير عبد الفتاح السيسى أن يضطلع بها حال جلوسه على عرش المحروسة رئيسا هي إرساء قواعد مجتمع ودولة ديمقراطية تعددية تؤمن بتداول السلطة، ويقينى أن الرجل لن يغره حب الناس فيصنع من نفسه فرعونا ولن يكون ذلك البطل الذى يجعل من بطولاته منه على الناس أو يتخذها علة لتسليط سيف سلطانه على رقابهم، لن يصاب السيسى بأمراض السلطة والعظمة.
في الستينات نجح الزعيم عبد الناصر في برامج التنمية الاقتصادية وقضايا الاستقلال الوطنى ومع ذلك ظل ملف الديمقراطية بقعة في ثوب تجربته الأبيض، وفرصة السيسى في تحرير إرادة بلده وتنميتها اقتصاديا ربما تماثل فرصة عبد الناصر لهذا لست قلقا بشأن نجاحه لكن يبقى عليه أن يؤسس لمناخ ديمقراطى أساسه الشفافية والنزاهة ولا مجال لخلق هذا المناخ بدون التخلص من حاشية المنتفعين وبكتيريا التملق والنفاق التي تحاول استعادة مناخ ما قبل 25 يناير، فوجود مثل هؤلاء كفيل بتلويث أى تجربة صادقة، وخطر على الوطن لا يقل عن خطر جواسيس وعملاء وإرهابيي الجماعة "المتعوسة".