الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تحديات الثقافة والمعرفة في الدول النامية "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع دكتور زين عبدالهادى فى كتاب «المستقبل الشائك.. تحديات الثقافة والمعرفة فى الدول النامية» والصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، بقولة: لنصل إلى عصر الإنترنت والويكيببيديا الذى يجب أن تتمسك فيه المعرفة بالقوانين العلمية فى التسجيل، وهذا لا يحدث دائما والأمثلة على ذلك عديدة، ونؤكد أهمية المصادر المرجعية والقياسات الببليوجرافية لإثبات المصادر بهدف ثبوتية الحقائق والمعلومات، وهكذا تجد أن هناك سعيا حميما لتسجيل التاريخ، ومن ثم تاريخ المعرفة رغم كل الشوائب والعوائق التى تتحدى العلماء المخلصين.
فى ظل هذا الاضطراب، وعقب خمسة ملايين وتسعمائة وتسعين ألف سنة تقريبا من ظهور الإنسان، بعد مليارات من الموتى، كانت المعرفة الإنسانية تنتظر تلك اللحظة التى ستسجل فيها، إن تاريخ الإنسانية هو هذه العشرة آلاف سنه الأخيرة التى ما هى إلا نقطة ضئيلة للغاية فى بحر الزمن الواسع العريض واللامتناهى.
انتظر الإنسان فى تقدمه نحو عصر المعرفة ستة ملايين سنة تقريبا من التطور كى ينتقل من عصر الصيد والرعى إلى عصر الزراعة، ثم العصر الصناعي، ثم عصر المعلومات وأخيرا عصر المعرفة وأحيانا ما يحلو لبعض الكتاب تسميته بالعصر الصناعى الثالث، مئات الألوف من السنوات قضاها متجولا يرتدى أوراق الشجر وجلود الحيوانات، والعيش فى الكهوف، وأكل اللحم النيئ حتى يصل لاختراع البيوت، أو اختراع المجتمع، واختراع المجتمع هو الذى أوحى باختراع الثقافة، ثم يبدأ العصر الزراعي، إنها نقلة هائلة وضخمة فى حياة الإنسانية، أو بالأحرى نقلة هائلة فى تاريخ المعرفة الإنسانية، منذ عشرة آلاف سنة يبدأ عصر الزراعة وخلال أقل من مائة عام ينتقل بين ثلاثة عصور أخرى جديدة، مزقت الإنسانية من جانب، وفى نفس الوقت فتحت الطريق لتفوق الكائن البشرى.
المشكلة أن الزراعة ما زالت تشهد مزيدا من المعرفة، وكذلك الرعي، وكذلك الصناعة ولكن بآليات جديدة ومعرفة متقدمة ساهمت أو تساهم فى حل مشاكل الغذاء وغيرها، ومعنى ذلك أن العصور الإنسانية يمكن أن تقسم وفقا لنوع المعرفة التى اكتسبها كل عصر، إنها المعرفة والمعرفة وحدها السمة الأساسية لكل عصر من العصور السابقة، فهناك معرفة تميز كل عصر حتى لو كانت هذه المعرفة فى أدنى درجات سلم المعرفة الذى نقيس به الآن، كل عصر كان نقلة فى التفوق المعرفى للإنسان. وكل عصر نقلة نوعية هائلة فى حياته، لقد بدأت المعرفة المكتوبة فى تلك اللحظة التى بدأ الإنسان فى محاولة تسجيل منجزاته، أو حتى عدد الخراف التى يملكها الملك، وأيا كان السبب، فإن الكتابة أيضا ميزت المعرفة الإنسانية بشكلها الحبالى، مع توقف أو تراجع عصر الشفافية.
من هنا كان عصر المعلومات هو المدخل الطبيعى لعصر المعرفة، فعصور الرعى والزراعة والصناعة، كانت عصورا دائمة تحظى بمنجزاتها بعض الحضارات وليس البشرية كلها، على عكس عصر المعرفة، فهو لكل المجتمعات الإنسانية، فأكثر من نصف البشرية الآن موجودة على الإنترنت ولن نصل لمنتصف هذا القرن إلا وتقريبا البشرية كلها موجودة هناك، وهذا لم يحدث يوما فى التاريخ الحضارى للإنسان.
هذه المراكمة المعلوماتية بين العصور حتى عصر المعرفة هى التاريخ الإنسانى الحقيقي، إذن من نلوم فى تخلف إنسان دون آخر أو دولة دون أخرى ؟ فالعالم العربى على سبيل المثال ما زال رغم هذا التطور الهائل يعيش أسيرا لعصرى الرعى والزراعة، وكل أفكاره وفلسفته أتت من هذين العصرين، فلم يشارك بأى منجز حضارى فى عصر المعلومات وقبله عصر الصناعة، ومن يشارك دائما فهم قله، لم يتركوا تأثيرًا على البقية. وربما كانت رواية «قنديل أم هاشم» ليحيى حقى واحدة من أهم اللفتات الفكرية فى هذه المسألة، وإذا كان المصريون قد قدموا للعالم فكرة الدولة المركزية، والتقويم الشمسى والزراعة فهم أساس الحضارة الإنسانية، ولكنهم ما زالوا يرزحون تحت ثقل هذا المأزق ولا يستطيعون الخروج من تلك القاعدة، والعراق أو بلاد ما بين النهرين ليسوا أحسن حالا من المصريين، فهم قدموا أيضا الرياضيات والطب والفلك وكل ما نسميه بــ«الحضارة الإسلامية»، وكذلك الزراعة لكنهم ما زالوا كالمصريين تماما فى هذه المسألة. خلفهم آلاف السنين من العقل الدينى الذى يتحكم فى نوعية المعرفة التى تقودهما، ومن هنا فإنهما أصبحا صيدًا سهلا لكل دولة تريد ألا تراهما فى حالة تقدم، كل ذلك بسبب نوعية المعرفة التى كانت من نصيب السكان هناك، بل هذا الأمر فى أفريقيا أيضا وفى بعض دول آسيا، لا يمكن الخروج من معتقل هذه المعرفة فى أبهى صورها البدائية، هذا العقل الذى اكتسب هذه النوعية من المعرفة قرر فى لحظة التوقف فى مرحلة ما، لأنه يعتقد أن نهاية المعرفة قد توقفت فى هذه النقطة.
وللحديث بقية