الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

السادات ومعركة السلام «5 من 5»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وصلنا فى الحلقة الماضية عند رأى إبراهيم كامل وأنه لا يرى أن الاتفاق المقترح يحقق هذا العدل المطلوب للفلسطينيين، وأنه إذا ما رغب كارتر فعلًا فى تحقيق انفراجة عربية - إسرائيلية فعليه أن يعدّل بعض الأفكار الواردة بالاتفاق الإطارى أو أن يعيد تضمين أفكار أسقطها الإسرائيليون.
وقد بات من الواضح أن الموقف فى ١٤ سبتمبر أخذ يزداد حساسية لتصميم الجانب الإسرائيلى على عدم تقديم أى تنازلات بأى شكل من الأشكال؛ سواء فيما يتعلق بمستقبل التسوية الفلسطينية أو مسألة الانسحاب الإسرائيلى الكامل من سيناء. وهو ما دعا الرئيس السادات إلى الإعلان يوم ١٥ سبتمبر عن نيته الرحيل لواشنطن. وبمجرد علم الجانب الأمريكى بموقف الرئيس السادات سارع سيروس فانس إلى زيارته فى مقره، طالبًا منه إعادة النظر فى قراره. فتمسك السادات بقراره وعبّر عن عميق الشكوى والرفض لمواقف إسرائيل التى جاءت على لسان موشى ديان. وبعد عدة دقائق جاء كارتر مهرولًا لمقر السادات وأمضيا معًا ما يقرب من ٤٠ دقيقة، وأقنعه بالبقاء ليوم أو يومين آخرين مع وعده ببذل كل الجهد لتحقيق مطالب مصر. وقال السادات لفريقه التفاوضى إن كارتر كان مأخوذًا من قراره وإنه أبلغه أن ذلك سيؤدى إلى خسرانه الانتخابات الأمريكية المقبلة. وهو ما كشفت المصادر والكتابات الأمريكية فى السنوات التالية لكامب ديفيد أن كارتر قال للرئيس السادات إنه بانسحابه عليه ألا يتوقع أى مساندة فى مستقبل الأيام من كارتر، كما أن هذا الفشل فى كامب ديفيد سيؤدى إلى توتر الموقف بين مصر وإسرائيل ولن تستطيع أى جهود أمريكية تجاوز هذا التوتر الذى قد يقود إلى حرب جديدة.
وهنا نستطيع القول إن السادات كان يرغب بعد أن تبين الصعوبات التى تواجهه بسبب التعنت الإسرائيلى، أن يحصل على دعم أمريكى كامل لمطلبه فى قيام أمريكا بتنفيذ رؤيتها المحددة فيما يتعلق بسيناء وضرورة إخلائها بالكامل وتسليمها للسيادة المصرية. بالفعل تم بعد ذلك خلال يومى الجمعة والسبت ١٥ و١٦ سبتمبر ١٩٧٨ التوصل إلى تفاهم نهائى حول إطار السلام وشكل التسوية، تضمن أساسًا الاتفاق على قيام الجانب الإسرائيلى، فور العودة إلى إسرائيل وخلال ١٥ يومًا، بطرح مسألة انسحاب إسرائيل بالكامل من سيناء وإخلاء المطارات والمستوطنات وعلى الكنيست للتصويت، وقبول الرئيس السادات لهذا المخرج للأزمة فى مقابل موافقته على إطار السلام المقترح فى شقّه الخاص بسيناء والضفة الغربية وغزة، شريطة تصديق الكنيست على هذا التفاهم.
قدم وزير الخارجية المصرى استقالته للرئيس السادات الذى أصر على استكمال السلام مع إسرائيل فى كامب ديفيد، وهنا نتوقف لنحكى عما حدث بين السادات والدكتور نبيل العربى حينما حاول الأخير إقناعه بأن التفاهمات مع الإسرائيليين غير ملزمة، قال له الرئيس: لقد استمعت لك مثلما ترى بأكبر قدر من الاهتمام، لقد دخلت آراؤك من هذه الأذن وخرجت من الأخرى. أنتم يا أعضاء وزارة الخارجية لا تفهمون شيئًا فى السياسة أو فى مصالح بلادكم، تتحدثون بالنظريات، أنتم لا تفهمون أن أولادكم وأحفادكم يمكن أن يعيشوا طويلًا فى ظل احتلال أراضى مصر. إن مسئوليتى الأولى هى مصر، وأنا كرجل دولة يجب أن أسعى بكل الوسائل إلى تخليص بلدى وأراضيها من هذا الرهن الذى تتعرض له، سوف أحقق ذلك ولن يوقفنى شىء من أحاديثكم وآرائكم غير الواعية.
تم الإعلان عن التوصل لاتفاق يوم ١٧ سبتمبر من ذات العام، والتوقيع على وثيقة كامب ديفيد فى البيت الأبيض يوم ١٨ سبتمبر ١٩٧٨، ويحتوى الاتفاق على وثيقتين مهمتين لتحقيق تسوية شاملة للنزاع العربى الإسرائيلي.
الوثيقة الأولى؛ إطار السلام فى الشرق الأوسط: نصت على أن مواد ميثاق الأمم المتحدة، والقواعد الأخرى للقانون الدولى والشرعية توفر الآن مستويات مقبولة لسير العلاقات بين جميع الدول.. وتحقيق علاقة سلام وفقًا لروح المادة ٢ من ميثاق الأمم المتحدة وإجراء مفاوضات فى المستقبل بين إسرائيل وأية دولة مجاورة ومستعدة للتفاوض بشأن السلام والأمن معها، هو أمر ضرورى لتنفيذ جميع البنود والمبادئ فى قرارى مجلس الأمن رقم ٢٤٢ و٣٣٨.
الوثيقة الثانية؛ إطار الاتفاق لمعاهدة سلام بين مصر وإسرائيل: وقعت مصر وإسرائيل فى ٢٦ مارس ١٩٧٩ معاهدة السلام اقتناعًا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم فى الشرق الأوسط وفقًا لقرارى مجلس الأمن ٢٤٢ و٢٣٨ وتؤكدان من جديد التزامهما بإطار السلام فى الشرق الأوسط المتفق عليه فى كامب ديفيد.
أدت تلك المعاهدة إلى انسحاب إسرائيلى كامل من شبه جزيرة سيناء، وعودة السيادة المصرية على كامل ترابها المصرى وقد تم تحديد جدول زمنى للانسحاب المرحلى من سيناء على النحو التالي:
فى ٢٦ مايو ١٩٧٩: رفع العلم المصرى على مدينة العريش وانسحاب إسرائيل من خط العريش/ رأس محمد وبدء تنفيذ اتفاقية السلام.
فى ٢٦ يوليو ١٩٧٩: المرحلة الثانية للانسحاب الإسرائيلى من سيناء (مساحة ٦ آلاف كيلومتر مربع) من أبوزنيبة حتى أبوخربة.
فى ١٩ نوفمبر ١٩٧٩: تم تسليم وثيقة تولى محافظة جنوب سيناء سلطاتها من القوات المسلحة المصرية بعد أداء واجبها وتحرير الأرض وتحقيق السلام.
فى ١٩ نوفمبر ١٩٧٩: الانسحاب الإسرائيلى من منطقة سانت كاترين ووادى الطور، واعتبار ذلك اليوم هو العيد القومى لمحافظة جنوب سيناء.
وفى يوم ‏٢٥‏ إبريل ‏١٩٨٢‏ تم رفع العلم المصرى على حدود مصر الشرقية على مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوب سيناء واستكمال الانسحاب الإسرائيلى من سيناء بعد احتلال دام ١٥ عامًا وإعلان هذا اليوم عيدًا قوميًا مصريًا فى ذكرى تحرير كل شبر من سيناء فيما عدا الجزء الأخير ممثلًا فى مشكلة طابا التى أوجدتها إسرائيل فى آخر أيام انسحابها من سيناء، حيث استغرقت المعركة الدبلوماسية لتحرير هذه البقعة الغالية سبع سنوات من الجهد الدبلوماسى المصرى المكثف‏.
عرضت مصر موقفها بوضوح وهو أنه لا تنازل ولا تفريط عن أرض طابا، وأى خلاف بين الحدود يجب أن يحل وفقًا للمادة السابعة من معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية والتى تنص على: «تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق المفاوضات.إذا لم يتيسر حل هذه الخلافات عن طريق المفاوضات تحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم»، وكان الموقف المصرى شديد الوضوح وهو اللجوء إلى التحكيم بينما ترى إسرائيل أن يتم حل الخلاف أولا بالتوفيق.
وفى ١٣ يناير ١٩٨٦، أعلنت إسرائيل موافقتها على قبول التحكيم، وفى ٣٠ سبتمبر ١٩٨٨، أعلنت هيئة التحكيم الدولية فى الجلسة التى عقدت فى برلمان جنيف حكمها بالإجماع أن طابا أرض مصرية.
وفى ١٩ مارس ١٩٨٩، رفع الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك علم مصر على طابا المصرية معلنًا نداء السلام من فوق أرض طابا.
وختامًا، وبعد هذا السرد الطويل لرحلة استرداد الأرض أعتقد أننا أدركنا كم كان طريق السلام صعبًا وشاقًا به الكثير من المعارك التى خاضها رجال قلما يجود بهم الزمان على رأسهم الرئيس الشهيد محمد أنور السادات الذى لولا براعته التفاوضية ونظرته المستقبلية وثباته على الحق، وعلى رأيه لكنا اليوم نشاهد سيناء وهى يُصدق على ضمها لإسرائيل رسميًا كالقدس والجولان.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها.