الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

محاولات إصلاح التعليم المصري «٤»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعد عرض محاولات الإصلاح لمكونات التعليم من مدارس ومعلمين ومناهج وطرق تدريس وتقويم واستخدام التكنولوجيا الحديثة فى التعليم، يبقى العديد من الموضوعات الشائكة المتعلقة بالتعليم وأهمها مجانية التعليم والدروس الخصوصية، وهما وجهان لعملة واحدة. فضعف الإنفاق على التعليم نظرًا لقلة موارد الدولة، أدى إلى تكدس الفصول، وضعف مرتبات المعلمين أدى إلى بحثهم عن دخل إضافى من الدروس، ومع ضعف دور المدرسة والمعلم، ورغبة كل الأسر المصرية فى توفير أحسن فرص التحصيل لأبنائهم نشأت الدروس الخصوصية وأصبحت مرضًا اجتماعيًا فى كل مراحل التعليم المصري.

ومنذ مقولة الدكتور طه حسين إن التعليم كالماء والهواء، ومع توليه وزارة التعليم فى يناير سنة ١٩٥٠، أصدر قرارًا بمجانية التعليم الأساسى حتى المرحلة الثانوية سنة ١٩٥١، وبعد قيام ثورة يوليو ١٩٥٢، ومحاولة النهوض بالتعليم كأساس لنهضة البلاد نص دستور ١٩٥٦ على حق كل المصريين فى التعليم الأساسى (حتى الثانوي)، المجانى الذى تكفله الدولة.

وفى سنة ١٩٦١، أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قرارًا بجعل التعليم مجانًا للجميع حتى الجامعة، وفى سنة ١٩٦٦، تم تعديل الدستور لكى ينص على إشراف الدولة على التعليم وحق التعليم المجانى فى جميع مراحله من الابتدائى إلى الجامعة

ومنذ سنة ١٩٦٦ وحتى اليوم، أصبحت مجانية التعليم حقًا دستوريًا ثابتًا فى كل دساتير مصر، وأصبح التعليم هو المؤشر الوحيد للرقى الاجتماعى وتعليم أبناء الفقراء، بعدما كان مقصورًا على الأغنياء

ومع حرص الدولة على توفير التعليم المجانى لجميع أبنائها، وفى جميع مراحله من رياض الأطفال إلى الجامعة، ومع هزيمة ١٩٦٧، وتوجيه كل الاهتمام إلى إزالة آثار العدوان، ومقولة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ومع الزيادة المطردة فى أعداد السكان، وزيادة كثافة الفصول الدراسية، وضعف العملية التعليمية داخل المدارس، نشأت ظاهرة الدروس الخصوصية، وفى جميع مراحل التعليم أيضًا من الابتدائى إلى الجامعة.

وأصبح الواقع الفعلى أن كل الأسر المصرية تدفع مقابل تعليم أبنائها مبالغ طائلة ولكنها تصب فى جيوب المدرسين، بدلا من أن تحصلها الدولة وتعيد استثمارها مرة أخرى فى شكل تحسين للمدارس أو زيادة فى مرتبات المعلمين. وأصبحت الدروس الخصوصية هى الأصل والمدارس هى الفرع.

ولأن الحديث فى موضوع مجانية التعليم والدروس الخصوصية شائك ومعقد ويمس كل أبناء الشعب المصري، فإنه لا يمكن اتخاذ قرارات فوقيه بشأنه دون حوار مجتمعى شامل، ودون الاستماع إلى آراء الخبراء، والاستعانة بخبرات الدول الأخرى التى تتشابه معنا فى الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ويبقى السؤال المحير؛ وما هو الحل إذا؟

وهنا يحضرنى موقف ظريف لمعالى وزير التعليم الدكتور طارق شوقى عندما سُئل فى البرلمان عن مجانية التعليم، وألمح إلى إمكانية مناقشة مجانية التعليم، وقامت عليه الدنيا والصحافة، رغم أنه لم يكن يعرف أن هناك صحفيين فى الاجتماع، واضطر إلى شرح موقفه والتزامه بالدستور الذى ينص على مجانية التعليم.

ولكى لا يساء فهم كلامى أيضًا حول مجانية التعليم، فإننى أعترف أولًا بأننى وكل إخوتى قد تعلمنا فى المدارس الحكومية المجانية، وأنه لو كانت هناك رسوم دراسية ما كنت أنا ولا معظم أبناء جيلى من مواليد الستينيات وما بعدها قد أكملوا تعليمهم

ولذا فإننى أؤيد تمامًا مجانية التعليم الأساسى لكل أفراد الشعب المصري، ولكنى أرى أننا بحاجة إلى حوار مجتمعى واتفاق حول جدوى مجانية التعليم فى الجامعات المصرية، وذلك فى ضوء بعض التجارب العالمية التى نلقى عليها الضوء.

وبالنظر إلى تجارب دول العالم المختلفة، نجد أن التعليم الجامعى المجانى متاح فى معظم بلدان الوطن العربي، وفى بعض دول أوروبا مثل (ألمانيا والدول الإسكندنافية)، إلا أنه برسوم باهظة فى كل من أمريكا وإنجلترا، وهذه الرسوم تساعد الحكومة على الإنفاق على التعليم والحفاظ على مستوى عالى الجودة فى جامعاتها. وأعرض هنا تجربتين فقط إحداهما عربية من دولة الأردن الشقيقة والأخرى من إنجلترا.

فى إنجلترا، التعليم الأساسى حتى المرحلة الثانوية تكفله الدولة تماما، وهو ممول من الخزانة العامة للدولة، وكذلك كان التعليم الجامعى حتى عام ١٩٩٨، عندما أقرت حكومة تونى بلير، بعد دراسة مستفيضة، فرض رسوم دراسية على طلاب الجامعات مقدارها ١٠٠٠ جنيه إسترليني عن كل عام دراسي. وفى سنة ٢٠٠٤ زيدت الرسوم إلى ٣٠٠٠ جنيه إسترليني، ثم أصبحت منذ فترة وجيزة ٩٠٠٠ جنيه إسترليني

وهذه الرسوم الدراسية إما يدفعها الطالب القادر أو يحصل عليها غير القادر فى شكل قروض ميسرة من البنوك، تسدد بعد تخرجهم من الجامعة، حسب ظروف عملهم، وبعد أن يزيد مرتبهم عن حد معين بما يضمن لهم حياة كريمة.

ولقد عايشت أثناء دراستى فى إنجلترا ما بين عامى ١٩٩٧ و٢٠٠٣، الجدل السياسى الذى واكب هذا التحول الكبير والذى فرضته الظروف الاقتصادية فى إنجلترا، وعجز موازنة الدولة عن الصرف على الجامعات، والمنافسة الشديدة مع الجامعات الأمريكية التى تفوقت على جميع الجامعات الأوروبية، والتى كانت وما زالت تفرض رسومًا باهظة على الطلاب، وكذلك الرغبة فى الحفاظ على جودة التعليم الجامعى فى إنجلترا. وما زال الموضوع مطروحًا للنقاش بقوة مع كل انتخابات عامة فى إنجلترا، ومع تصاعد اعتصامات الطلاب والجدال السياسى بين الأحزاب تستمر المناقشات.

وفى الوطن العربي، هناك تجربة التعليم الموازى فى الجامعات الأردنية الحكومية، والتى سمحت بقبول نسبة من الطلاب للجامعة بمجموع أقل من المجموع الذى يدخل به الطالب الذى يدرس بالمجان، مقابل رسوم دراسية غير مبالغ فيها. وتقبل المجتمع الأردنى الفكرة وزادت نسبة التعليم الموازى تدريجيًا من ١٠٪ من الطلاب عند بداية العمل بهذا القرار إلى قرابة الخمسين فى المائة فى بعض الكليات حاليًا.

ولقد كان هناك اقتراح مماثل عندما كان الدكتور هانى هلال وزيرًا للتعليم العالى سنة ٢٠٠٥، بتكرار تجربة الأردن فى الجامعات المصرية، ولكن هذا المقترح قد رفضه المجتمع المصري، ولكن الوزير قد نجح فى إنشاء برامج تعليمية متميزة مقابل رسوم دراسية معقولة منذ ٢٠٠٦، والتى انتشرت فى جميع الجامعات المصرية تقريبًا، وكان لها الفضل فى تطوير العملية التعليمية، والتعاون مع الجامعات الدولية، وتوفير أموال للجامعات الحكومية للصرف على البرامج التقليدية.

وبعد هذا السرد الموجز لهذا الموضوع الشائك يظل السؤال؛ هل فعلا حققت مجانية التعليم، خاصة التعليم العالى الفوائد المرجوة منها؟ وهل فعلا ساعدت غير القادرين وحققت العدالة الاجتماعية؟

إن الواقع الحالى يفرض على المجتمع أن يتقبل النقاش فى استمرار وضع التعليم العالى بالشكل الحالي، وأن نسأل أنفسنا بصراحة؛ هل فعلا التعليم المصرى مجاني؟ وإذا كانت الإجابة بلا، وأن المجانية لم تحقق الغرض منها بعد أكثر من نصف قرن، فلماذا لا نعترف بالحقيقة ونفكر بطريقة واقعية؟

وللحديث بقية..