رسالة محمد على إلى طلبة المدرسة الحربية: «إن سلك الجهادية الشريف هو أعز المسالك وأكرمها من الوجهتين الدينية والشعبية، وأن الشئون الحربية هى أهم الشئون والمصالح بالنسبة للحكومة والوطن».
يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملى على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير.
ولما كان مقتضى الحال يستوجب استدعاء قيمًا قد أهملها الحاضر ولاحت صفحاته لطيها تلك القيم الأصيلة وهذه المبادئ الحقيقية هى التى شكلت النسق الأخلاقى للحضارة الإنسانية التى أشرقت مع شمس الدنيا من «مصر» كفجر للضمير الإنسانى وتعاقبت حضارات الأمم تتوضأ من ضى هذا الفجر أخلاقًا وقيمًا ومبادئ لتتمسك بإنسانيتها إن ما نعيشه - مفروضًا علينا - يخالف ما اعتادت عليه الإنسانية، ويُغلب قانون الغاب، عودًا على ما كان قبل التأريخ الإنسانى.
ولأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراع علمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا فى أراضى الغير أو جورًا على حقوقهم، إنما حفاظًا على الحق ودعمًا للعدل، هكذا - دائمًا - كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عامًا من الأخلاق.
الواقع - الآن - فى عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدار التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمة وعقلها وصانع مستقبلها.
ملخص ما سبق
وجد محمد على بعد خلق النظام العسكرى الحديث فى مصر وتأسيس المدارس الحربية والمؤسسات الصناعية التى لا غنى عنها لجيش وطنى، ولكن نفسه الطموحة دفعته إلى التفكير فى تمصير التعليم فى الجيش المصرى، فعمل على إيفاد البعوث من الشبان الذين أهلتهم معاهد العلم فى مصر إلى أوروبا، وأمر بتأليف مجلس يشرف على شئون التعليم والتدريب وسماه (قومسيون المدارس العسكرية) وكان يتألف من ناظر الجهادية رئيسًا وعضوية قادة الالايات وغيرهم وتوالت إنشاء المدارس والمصانع العسكرية.
المدارس والمصانع العسكرية فى عهد محمد على
أسس محمد على فى الجيزة عام 1831 مدرسة السوارى بالجيزة وعهد بها إلى المسيو (فاران) الذى كان ضابط أركان حرب المارشال (جوفيون سان سير) وكان عدد طلبتها 200 من خريجى المدرسة التجهيزية وغيرهم، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات أو أربع، يتلقى فيها الطلبة فنون الفروسية وركوب الخيل واللغات علاوة على باقى العلوم العسكرية المتقدمة، وكان لهم مدرب ألمانى اسمه (الهر. م. بير) لتدريبهم على فنون الفروسية.
مدرسة الطب والمستشفى العسكرى
شُيدت بين الخانقاه وأبى زعبل، وعهد بشئونها إلى الدكتور (كلوت بك) رئيس أطباء الجيش، والتحق بها 140 طالبًا يدرسون الطب، وخمسون لدراسة فن الصيدلة، وكان بالمستشفى 730 سريرا للمرضى من رجال الجيش، وأُنشئ مجلس صحى للإشراف على الصحة العامة، واختيار الأطباء والصيادلة للجيش بعد امتحانهم.
مدرسة الطب البيطرى
شُيدت بجوار المستشفى العسكرى لدراسة الطب البيطرى عام 1837، وألحق بها 120 طالبًا، وقد تولى إدارتها مصريون بعد المسيو (هامون) وحتى عام 1849، ونقلت هذه المدرسة فيما بعد إلى شبرا.
مدرسة الهندسة العسكرية
أُنشئت فى عام 1844 فى بولاق، وكان طلبتها يتخصصون فى أعمال هندسة الترع والألغام والكبارى والطرق والاستحكامات.
مدرسة الموسيقى العسكرية
أُنشئت فى قرية جهاد آباد، وكان عدد طلبتها 200، ثم نقلت إلى الخانقاه، وأُنشئت مدارس أخرى للموسيقى فى القلعة وأثر النبى.
مدارس الوحدات محو الأمية
عنى محمد على بأمر تعليم جنود الجيش، فألحقت مدارس بوحدات الجيش المختلفة والأسطول لتعليم القراءة والكتابة والحساب للجنود، وكانت الحكومة تشجع المتفوقين منهم بترقيتهم قبل أقرانهم.
مدرسة أسوان الحربية
بعد عام 1815 كانت حروب نابليون قد انتهت وسرحت جيوشه، وأصبح كثيرون من ضباطه بلا عمل، فاستقدم محمد على منهم كثيرين وأشهرهم «سيف» الذى أصبح فيما بعد «سليمان باشا الفرنساوى».
أخذ سيف على عاتقه إنشاء جيش مصرى حديث، فاستصدر أمرًا من محمد على باشا فى 8 أغسطس سنة 1821 بإنشاء مدرسة أسوان الحربية، بدأ فيها بتعليم العدد الضرورى لتولى مهمة ضباط الجيش، وجمع له محمد على لهذا الغرض ألفًا من المماليك الشبان الذين تألفت منهم نواة الجيش المصرى، وكان برنامج التعليم الموضوع يستغرق ثلاث سنوات تقريبًا، وليس أدل على اهتمام محمد على بأمر هذه المدرسة وعلى مقدار ما كان يعلقه عليها من آمال من هذه الرسالة التى وجهها فى 12 محرم سنة 1238 هـ (29 سبتمبر 1822) إلى نواة ضباط جيشه الجديد بأسوان والتى تنبئ عما فى مكنون نفسه للنهوض بدولته الجديدة.
(إليكم يا مفاخر الأماثل والأقران بكباشية جنودنا الجاهدية المقيمين فى أسوان وضباطهم من رتبة الصاغ قول أجاسى واليوزباشى والملازمين وحاملى الأعلام والضباط الآخرين: نبلغكم أن سلك الجهادية الشريف هو أعز المسالك وأكرمها من الوجهتين الدينية والشعبية، وأن الشئون الحربية هى أهم الشئون والمصالح بالنسبة للحكومة والوطن، وقد أثنى الله سبحانه وتعالى أحسن الثناء على من سلكوا هذا المسلك القويم، لقد واتاكم السعد ونالكم الحظ الأوفر وأمدكم التوفيق الأزلى، فجاء كل منكم وأصبح مظهرًا للعطف والعناية، ومصدرًا للشرف والسعادة كل على قدرها، وتراعوا حقوقها، لهذا التقدير وهذه المراعاة لا يكونان مرة أخرى إلا إذا تركتم عاداتكم التى كنتم مطبوعين عليها ونبذتموها ظهريا، وتشبثتم بقواعد المسلك الجديد والحمد لله، فكل منكم محترم الجانب مرعى الخاطر، وكل قوانينكم ونظمكم موافقة، فارجعوا إلى أنفسكم، واقرأوا ضمائركم واعملوا بمقتضى الرجولة، وليقم كل منكم بذل همته فى أمور تعليم وتدريب الموجودين فى أورطتكم، ولا يهملن فى ذلك، وليسع إلى أن يكون كل شىء منظما أحسن نظام وفقا لقوانينكم وقواعدكم المقررة، أما ناظركم محمد بك فهو رجلى الأمين الوفى، وهو ناظركم الرءوف بكم كأنه أبوكم، فرضاؤه رضائى وإرادته إرادتى، فلا تخرجوا عن رأيه ولا تنحرفوا عن طاعته ولا تحيدوا عن إدارته بأى حال من الأحوال إلخ).