الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

محاولات إصلاح التعليم المصري «٢»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
العنصر البشري
عرضنا فى المقال الأول أهمية زيادة إعداد وتحديث المدارس باعتبارها المؤسسات التى تجرى بداخلها العملية التعليمية، وفى هذا المقال نعرض محاولات وزارة التربية والتعليم لإعداد وتأهيل العنصر البشرى من مدرسين وإدارات تعليمية وجهاز إداري، وهو العنصر الحاكم المنوط به أحداث التطوير والإصلاح، خاصة إعداد المعلم الذى يعتبر قدوة للتلاميذ ومن دونه تنهار كل محاولات الإصلاح، حتى لو وفرنا كل الدعم المادى لتحديث الأبنية التعليمية والمناهج وطرق الامتحانات، وبقى المدرس دون تغيير.
وبداية ندرك أن هذا الملف هو الأصعب فى إصلاح منظومة التعليم، وأن تغيير ثقافة وسلوك البشر ليس سهلا ولا يسيرا، وأن هناك معوقات كثيرة قد تحتاج لعدة سنوات لإعداد أجيال جديدة من المعلمين تؤمن بضرورة تغيير نمط التعليم التقليدى والتحول بالعملية التعليمية من عصر الحفظ والتلقين إلى عصر التفكير النقدي، ومن كون المعلم هو مصدر للمعلومات إلى كونه المحرك للتعلم النشط للتلاميذ.
وبنظرة سريعة إلى واقع المعلم فى منظومة التعليم المصري، نجد اختلافا واضحا بين الوضع المادى وفرص التدريب والتطوير الذى يتمتع به المعلم والجهاز الإدارى فى التعليم الحكومى المجانى (إذا صح التعبير)، والذى يغطى ٩٠٪ من أبناء الشعب المصري، وبين وضعه فى التعليم الخاص (حوالى ١٠٪)، بالإضافة إلى ذلك هناك مدارس التعليم الأجنبى والدولى (الأمريكى والإنجليزى والفرنسى والألمانى وغيرها)، وأخيرا هناك التعليم الأزهري، وهذه المنظومات الأربع: (الحكومى والخاص والدولى والأزهري) تمثل اختلافا جوهريا ليس فقط فى طرق التدريس والمناهج وطرق الامتحانات، ولكن أيضا تمثل اختلافًا طبقيًا، ليس فقط بين المدرسين، ولكن أيضا بين التلاميذ وأولياء الأمور.
وإذا كان الوضع العام أفضل فى المدارس الخاصة والدولية، فإن ما يعنينا هو التعليم الحكومى العام الذى يعتنى بالغالبية العظمى من أبناء الشعب المصري.
وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، مليون و23 ألفا و833 مدرسا ومدرسة بنهاية العام الدراسى 2017/ 2018، وحسب تصريحات الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، فإن عدد المعلمين قد بلغ مليون و300 ألف معلم، أى ما يفوق تعداد سكان بعض الدول ولتنمية قدرات وتأهيل هذه الأعداد الكبيرة من المعلمين على التدريس باستخدام التكنولوجيا ونظم التعليم الحديثة والمناهج الجديدة، فإن ذلك يتطلب مجهودات هائلة وأموالا طائلة ورغبة للتغيير لدى المعلمين أنفسهم. ولا بد أن يبدأ التطوير من كليات التربية، وأن يستمر بعد التخرج، وأن يشمل بعثات إلى الخارج لإعداد أكبر من المعلمين للاطلاع على تجارب العالم من حولنا. 
وحسب تصريحات الوزير؛ فإن الوزارة قدمت التدريب الخاص بالنظام التعليمى الجديد لـ130 ألف معلم، من معلمى مراحل التعليم الأولى، والتى بدأت بالفعل المناهج الجديدة مع بداية العام الدراسى ٢0١٨-٢٠١٩، وهو عدد قليل جدا إذا ما قورن بالعدد الكلى للمدرسين، ولذلك فإن التحدى الأكبر للوزارة هو تدريب وتأهيل هذا العدد الهائل من المعلمين، والتواصل معهم لمعرفة مشاكلهم، وقبل كل شىء تحسين ظروف العمل وزيادة رواتبهم، وضمان دخل معقول يحقق للمعلم مستوى اجتماعيا جيدا، ويعيد هيبة المعلم إلى ما كانت عليه فى الماضي، وهو ما وعد به السيد رئيس الجمهورية.
ودون الدخول فى التفاصيل، ومحاولات التبرير والسرد التاريخى لواقع التعليم فى مصر فى العقود الماضية، فيجب علينا الآن أن نتخطى هذه المرحلة وأن ننظر إلى المستقبل، وأن نعمل على التوازى فى جميع المحاور، وفى القلب منها الاهتمام بالعنصر البشري، وأن ننظر إلى التجارب الرائدة فى تطوير التعليم فى بلدان كانت شبيهة بظروف مصر إلى حد كبير، واستطاعت أن تحدث نقلة نوعية فى مستوى التعليم، نتج عنه نهضة شاملة فى المجتمع وزيادة فى دخل الفرد وارتفاع فى مستوى المعيشة، وأعنى هنا التجرية الماليزية، لقد زرت هذا البلد أكثر من مرة، وتعاملت مع بعض مسئولى التعليم فى ماليزيا، ومع الطلاب الماليزيين الذين يدرسون فى كلية طب المنصورة وهم بالآلاف، وأيضا مع أولياء الأمور، وهذه التعاملات المباشرة قد أتاحت لي التعرف عن قرب على تجربة ماليزيا الرائدة فى النهوض بالتعليم.
تجربة ماليزيا تعكس مقدرة القيادة السياسية على إحداث تغيير جذرى فى المجتمع بالتخطيط السليم وتحديد الأولويات والعمل بجد واجتهاد لتحقيق الأهداف القومية، وهو ما يتوفر فى القيادة الحالية المصرية، فحين تولى مهاتير محمد رئاسة حكومة ماليزيا عام 1981 كانت البلاد دولة فقيرة يعيش ربع سكانها تحت خط الفقر، ولكنه قرر إحداث نقلة نوعية فى بلاده، ووضع خطة لتطويرها وتنميتها اعتمدت على تطوير وتحديث التعليم. وقد أولى اهتماما بجميع مكونات منظومة التعليم وعمل على التوازى لتطوير جميع مراحل التعليم، فجعل مرحلة «رياض الأطفال» جزء من النظام الاتحادى للتعليم، ولم يتركها لإدارة الولايات أو الأقاليم (١٣ ولاية و٣ أقاليم اتحادية)، واشترط أن تكون جميع دور رياض الأطفال مسجلة لدى وزارة التعليم، وملتزمة بمنهج تعليمى موحد أقرته الوزارة، وقرر إضافة مواد تنمى الروح الوطنية وتعزز روح الانتماء لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية، رغم انتمائهم لثلاثة أعراق مختلفة، هى: الملايو (٥٨٪)والصينيين (٢٧٪) والهنود (٧٪)، وعرقيات أخري.
وفى المرحلة الثانوية، أضاف بجانب العلوم والآداب مواد عملية تقنية ومهنية، وأنشأ الكثير من معاهد التدريب المهنى التى تؤهل الطلاب لدخول سوق العمل. واهتم كذلك بإدخال التكنولوجيا والكمبيوتر فى التعليم حتى بلغت نسبة المدارس الماليزية المرتبطة بالإنترنت 90٪ سنة ١٩٩٩.
واهتمت الحكومة الماليزية بإدارة المدارس بنظام الإدارة العصرية المرنة وقضت على البيروقراطية والترقية بالأقدمية، واختارت أفضل العناصر لإدارة المدارس، وأعطت للطلاب الحق فى اختيار المقررات التى يرغبونها حسب قدراتهم واهتماماتهم وغيرت نظم التقويم والامتحانات إلى الأسئلة الموضوعية.
وكما فعل محمد على فى مصر، قام مهاتير محمد، بالاستفادة من نظم التعليم المتطور فى الدول المتقدمة، حيث أنشأ المئات من البرامج الخاصة فى ماليزيا بالتعاون والتوأمة مع جامعات دولية، واستقدم جامعات من إنجلترا مثل جامعة نوتنجهام وشرق لندن لافتتاح فروع لها فى كوالالامبور.
ولدور المرأة فى التنمية، فقد اهتمت الحكومة الماليزية بتعليم المرأة وقدمت قروضًا ومنحًا ومساعدات لكى يتمكن الآباء من تعليم بناتهن.
وبذلك تمكن مهاتير محمد من إحداث نهضة فى ماليزيا مبنية على التعليم، والتصنيع والاستقرار، إلى أن تقدم باستقالته سنة ٢٠٠٣، ثم عاد وتقدم للانتخابات العامة، وتقلد منصب رئيس الوزراء سنة ٢٠١٨ وهو فى الثالثة والتسعين من العمر.
وعاد ليقود ثورة جديدة على الفساد فى بلاده، وليقود نهضة حديثة فى التعليم. وأتذكر خطبته فى زيارته للقاهرة حديثا عندما قال: «إن مصر ليس أمامها إلا الاهتمام بالتعليم».. وللحديث بقية.