الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أفريقيا المعاصرة (3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع البروفيسور محمود ممدانى فى كتاب «المواطن والرعية: أفريقيا المعاصرة وتراث الكولونيالية المتأخرة»، والذى نقله إلى العربية المترجم صلاح أبو نار، والصادر عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٨، بقوله: وتلك المشكلة وفقا لطرح هايلى تفسر لنا تلك الحاجة القوية «التى دفعت البريطانيين إلى الحفاظ على القانون العرفى، المنبثق من الحياة الدينية والاجتماعية الهندية». ولكن التشديد على العرف لا يسير كما يسير مجرى مائى مطرد منتظم عبر مسار الحكم البريطانى فى الهند، والصحيح أن الحكم البريطانى فى بدايته كان أكثر رفضا للعرف، وأكثر التزاما بــ«رسالة نشر الحضارة»، التى من خلالها «يتجدد شباب» المجتمع. والواقع أن التحول من «تجديد» شباب المجتمع إلى «الحفاظ على» المجتمع، ومن التخلى عن التقليد إلى تأكيده، كان تطورا حديث العهد.
وعندما تفحص تاريخ الحكم البريطانى فى الهند، سنجد خطوطا محددة تفصل بين التشديد على تجديد الشباب والتشديد على المحافظة، أكثرها حسما التمرد الهندى عام ١٨٥٧. وعبر سلسلة من الكتابات أشهرها «القانون القديم» طرح السير هنرى ماين «العضو القانونى فى حكومة الهند» فيما بين ١٨٦٢ و١٨٦٩، ضرورة تحكم الشعب التابع من خلال عاداته الخاصة. والحاصل أن فكرة «اعرف»، كانت جزءا من استمرار التفكير الاستعمارى البريطاني، فى امتداده عبر القارى من آسيا إلى أفريقيا، ومن ثم يظهر السؤال الآتي: أين بالضبط نجد خصوصية الخبرة الاستعمارية الأفريقية؟
كما نعرف كانت أفريقيا آخر ما سيطرت عليه أوروبا من ممتلكات استعمارية، هكذا حملت القوى الأوروبية معها ثروة من الخبرة عندما شرعت فى مشروعها الاستعمارى الأفريقي، وجسدت بريطانيا تلك الحقيقة أكثر مما هو مدرك عامة. وفى معرض تبريره لهذا الحكم كتب: «إذا كان هناك اختلاف بينهما فربما وجدناه فى كون الممارسات البريطانية من أجل منع تفكك المجتمع، فى جوهرها ذات طبيعة علاجية فى الهند فى حين كانت أفريقيا وقائية. وشكل التحول الممارسات من المنظور العلاجى إلى المنظور الوقائي، تحولا من منظور إعادة الشباب إلى المجتمع إلى منظور إصلاحه. وجسد ذلك انقلابا فى الممارسات، من الاقتناع بأن أوروبا كانت تمتلك «رسالة نشر الحضارة» فى المستعمرات، إلى هاجس التطبيق الصارم للقانون مع الحفاظ على الاتجاه. ولقد حدث هذا التحول من الممارسات العلاجية إلى الممارسات الوقائية على مزيج من الاستمرار والانقطاع، وكان عنصر الانقطاع هو الذى حدد خصوصية الخبرة الاستعمارية الأفريقية.
شكلت السلطة الأهلية المكونة من ترابية الرؤساء الذراع اللامركزى للدولة الاستعمارية. وكان نظام تلك السلطة اللا مركزية نظام إكراه غير اقتصادي، يمكن من خلاله على نحو ما تجنيد الفلاح الحر المالك لحق الاستخدام العرفى للأرض وإجباره على العمل أو الزراعة، وهى المهمة التى تفسر لنا طبيعة ومدى السلطات التى مارسها الرؤساء على الفلاحين. وسوف نرى أن دون المحاكم الأهلية التى مكنت الإدارات الأهلية من تحويل أوامرها إلى قوانين، كانت السلطة الأهلية – بوصفها وكيلا نشطا – ستتعرض للأضعاف.
ولقد كان نطاق فعالية السلطات الأهلية يتحدد أحيانًا، عبر اتفاقيات أو قوانين رسمية يتفق عليها وتصدر عند بداية الحكم الاستعماري، لكن هذا النطاق كان غالبا يتعرض لتطورات فى سياق الممارسة. وفى تاريخ مبكر يرجع إلى عام ١٨٩١، حدد قانون الناتال الأهلى فى جنوب أفريقيا، الأهداف العمل الإكراهي: «التوفير الفورى للرجال لأغراض الدفاع، أو قمع الإضراب أو التمرد، أو للعمل فى المشروعات العامة، أو لتلبية الاحتياجات العامة للمستعمرة، ووقتما يأمر الرئيس الأعلى بتوفير ما سبق ذكره. وفى اتفاق بوجاندا لعام ١٩٠٠ حدد البند التاسع «صيانة الطريق الرئيسية» بوصفها مهمة يجب أن يشرف عليها الرئيس، إلى جوار «تقدير الضرائب وجمعها»، و«إقامة العدالة بين الأهالى»، و«الإشراف العام على الشئون الأهلية».
ويشرح البند الثالث عشر، كيفية فعل ما سبق، حيث يمنح كل رئيس سلطة استدعاء عامل واحد عن كل ثلاث أسر معيشية، ولمدة تصل إلى شهر فى العام من أجل المساعدة على صيانة الطرق الرسمية. وفى دراساته عن الحكم غير المباشر فى نيجيريا لاحظ بادمورى، ما دام الرؤساء كانوا يجمعون كمية الضرائب المكلفين بها ويوفرون العمل المطلوب عندما يؤمرون بذلك، فإنه نادرا ما كان الإداريون الأوروبيون يتدخلون. ونجد لدى جان سورية كانال رصدا لواجبات الرئيس فى المستعمرات الفرنسية: جمع الضرائب، وتسخير العمل، والزراعة الإجبارية لمحاصيل، وتوفير المجندين للجيش. وفى الكونغو الخاضع للسيطرة البلجيكية، أصبح من واجب الرؤساء منذ فترة حكم الشركة أن يطبقوا تدابير، مثل: «العمل الإجباري، والزراعة الإكراهية، والتجنيد العسكري، وتجنيد العمل»، وغير ذلك من متطلبات الدولة.. وللحديث بقية