انعقدت القمة العربية الأوروبية الأولي، يومى الأحد والاثنين ٢٤-٢٥ فبراير ٢٠١٩ فى شرم الشيخ، وبحضور رؤساء دول وحكومات وممثلين لقرابة الخمسين دولة من بلدان الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، وقبلها بفترة قصيرة انعقدت قمة الاتحاد الأفريقى فى أديس أبابا، التى حضرها خمس وخمسون دولة أفريقية، وفى كلتا القمتين كان الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى هو الرئيس، وكانت مصر هى المحرك الحقيقى للأحداث.
فما الأهمية السياسية والاقتصادية والأمنية للقاء القمة لهذا الجمع غير المسبوق من البلدان العربية والأوروبية؟
أولًا؛ البعد السياسي، ترأس مصر لهاتين القمتين، وحضور هذا العدد من رؤساء الدول والحكومات من أفريقيا والبلدان العربية وأوروبا، ينهى تماما ويطوى صفحة أحداث وتبعات ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، ويعيد مصر إلى موقعها السياسى الرائد فى قلب العالم القديم، ويعيد ثقل مصر السياسى فى الدوائر السياسية الثلاث: العربية والأفريقية والأورومتوسطية، وهو الدور الذى حاولت بلدان كثيرة هنا وهناك أن تلعبه حين انشغلت مصر بمشاكلها الداخلية منذ ٢٠١١.
ومن اللافت للنظر فى الكلمة الافتتاحية لرئيس المجلس الأوروبى دونالد توسك، وهو دبلوماسى بولندى ورئيس وزراء بولندا السابق، قوله: «إننا نعترف بوجود خلافات فى وجهات النظر العربية والأوروبية حيال العديد من القضايا، وأننا قد جئنا إلى شرم الشيخ للنقاش والحوار والوصول إلى تفاهم مشترك للتعايش وحل المشاكل المشتركة.
ومن خلال القراءة للبيان الختامى للقمة، يتضح أن قضايا عدة قد تمت مناقشتها، وعلى رأسها الصراع العربى الإسرائيلي، وقضايا سوريا واليمن وليبيا، والإرهاب والهجرة غير الشرعية والتنمية الاقتصادية وغيرها.
ودعوة أوروبا للتدخل فى حل المشاكل العربية يحقق أكثر من هدف لكل من العرب والأوروبيين، فالبنسبة للعرب، تعتبر أوروبا أكثر تفهما لحقيقة الصراعات فى المنطقة، وبخاصة الصراع العربى الإسرائيلي، وأقل تحيزيًا لإسرائيل عن أمريكا، وكذلك أقل تعرضا للضغوط من اللوبى اليهودى القوى الذى يحرك الأمور لصالح إسرائيل فى الولايات المتحدة.
وكذلك انعكاس مشاكل العرب على الدول الأوروبية، خاصة فى العراق وسوريا وليبيا وحتى اليمن، أكبر من انعكاساته على أمريكا الشمالية أو الجنوبية أو حتى روسيا والصين، ولذا فالدور الأوروبى مهم للطرفين، العربى والأوروبي.
ثانيا؛ البعد الاقتصادى للقمة، علينا أن نعترف أن أوروبا هى الشريك الاقتصادى والتجارى الأكبر للوطن العربي، بحكم التاريخ والجغرافيا، وعلينا أيضا أن نعترف أن السياحة القادمة من الدول الأوروبية كانت تمثل الرافد الأعظم للسياحة التى تستقبلها مصر، ولذا؛ فإن هذه القمة تعتبر أكبر دعاية للسياحة المصرية، وتوفر عدة ملايين من الدولارات كانت تنفق على الدعاية المباشرة للسياحة المصرية.
وتعيد الثقة للمواطن الأوروبى فى المجىء إلى مصر، وتزيل مخاوف الحكومات الأوروبية من إعادة السياحة إلى مصر، وترفع القيود الكثيرة التى كانت تمثل عائقا كبيرا أمام عودة السياحة الأوروبية إلى مصر.
وثالثا؛ البعد الأمنى للقمة، التنسيق الأمنى بين أوروبا والوطن العربى مهم جدا لمحاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة وتجارة السلاح والمخدرات والجماعات الإرهابية مثل داعش وغيرها.
ومن مصلحة أوروبا والعرب معا إيجاد حلول سلمية لمشاكل سوريا وليبيا واليمن، وهى مشاكل تنعكس بالخراب والدمار على العرب وبالإرهاب واللاجئين والهجرة غير المشروعة على الأوروبيين.
وبعد نجاح مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقى، ومن بعده مؤتمر القمة العربية الأوروبية، تكون مصر والعرب قد حققوا مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة، وتكون قد أعادتا ترتيب الأوراق وقطعتا الطريق على كل من يحاول الالتفاف على الحقوق العربية، خاصة من تركيا وإيران وإسرائيل، وهى البلدان غير العربية داخل الشرق الأوسط، والتى تحاول بصفة مستمرة زعزعة الأمن والاستقرار داخل العالم العربي.
وأخيرا، لا يسعنا إلا أن نهنئ السياسة الخارجية المصرية على هذا النجاح فى إدارة الملفات الشائكة، وإقامة شراكة تفاهم وتعاون مع كل القوى الدولية، وكسب احترام وثقة العالم فى عالم متغير وشرق أوسط ملىء بالفوضى والحروب والتناقضات.