من العاصمة الهندية نيودلهي، وبتاريخ ١٥ فبراير ٢٠١٩، قامت وكالة أنباء الـ«سى إن إن»، (CNN health) بنشر تقرير عن تخطيط الهند لزيادة دخلها القومى من السياحة العلاجية فى العام القادم إلى ٩ مليارات دولار. والكلام ليس للدعاية الإعلامية، وإنما جاء على لسان وزير الصحة الهندى وفى لقاء فى البرلمان الهندي، فما هى حكاية السياحة العلاجية، وما هى متطلبات السياحة العلاجية، وأخيرا ما هى فرص مصر فى المشاركة فى تورتة السياحة العلاجية.
سوق السياحة العلاجية واعدة جدا، وتقدر أعداد المرضى الذين يسافرون لتلقى العلاج خارج بلادهم بحوالى ١٥ مليون مريض سنويا، ينفقون ما بين ٤٥ و٧٠ مليار دولار، وأن هناك دولا عديدة تولى أهمية عظمى لاجتذاب هؤلاء المرضي، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا والهند وماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايلاند وتيوان والمكسيك وجنوب أفريقيا، ومن الشرق الأوسط الأردن وإسرائيل وتركيا.
أما التخصصات المطلوبة فى سوق السياحة العلاجية فهى الجراحات الدقيقة والمتخصصة وعلى رأسها جراحة القلب وخاصة قلب الأطفال، وجراحة الأورام، وجراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري، وجراحة التجميل والتخسيس وجراحة العظام وأخيرا مجال الإخصاب المساعد مثل أطفال الأنابيب والحقن المجهري.
وإذا كانت السياحة العلاجية تمثل سوقا واعدة تحقق دخلا يعادل دخل السياحة التقليدية، فما هى متطلبات هذه السوق وكيف تستطيع أى دولة أن تنافس بقوة فى هذا المجال؟ وللإجابة عن هذا التساؤل، فأفضل مثال لذلك هو ما فعلته الهند لتصبح ثالث دولة على المستوى الدولى فى اجتذاب السياحة العلاجية وهي:
أولا: إنشاء مؤسسات صحية حسب المواصفات العالمية واعتمادها من المؤسسات الدولية خاصة مؤسسة الاعتماد الدولية المتحدة (JCI) ومقرها أمريكا. وحاليا هناك ٣٤ مؤسسة صحية هندية حاصلة على شهادة الاعتماد الدولية.
ثانيا: الاستعانة بالأطباء وهيئات التمريض والإداريين والعاملين فى المؤسسات الصحية من ذوى الخبرة والمؤهلات الدولية، وهذا ما فعلته الهند، حيث قامت بالاستعانة بالأطباء الهنود العاملين فى الغرب، وهم بالآلاف، وقدمت لهم كل التساهيل والضمانات للعودة إلى الهند، وقد شاهدت ذلك بنفسى عندنا زرت الهند للمشاركة فى المؤتمر الدولى للكلية الملكية للنساء والتوليد، الذى انعقد فى حيدر أباد سنة ٢٠١٤، حيث قابلت مجموعة كبيرة من الزملاء الهنود الذين عملت معهم فى إنجلترا، ودعونى لزيارة المستشفيات التى يعملون فيها فى الهند، ووجدتها لا تقل عن مثيلاتها فى إنجلترا، ومن حديث الزملاء الهنود، عرفت أن الحكومة الهندية هى من دعتهم للعودة إلى الهند، وأن الدولة وعلى كل مستوياتها حريصة جدا على تذليل أى مشاكل تقابلهم، وكانت حريصة على أن يكون لهم نصيب فى الإدارة والملكية للمؤسسات التى يعملون بها، بل منحتهم وظائف استشارية للحكام للإدارات المحلية والوزير ورئيس الوزارة.
ثالثا؛ الاستعانة بالشركات المتخصصة فى الدعاية والتسويق والتى تجيد التحدث إلى السوق الدولية وتقوم بالدعاية فى الصحف ووسائل التواصل العالمية. وفى الهند سلسلة أبوللو وسلسلة ماكس للرعاية الصحية، والتى أعلنت أنها استقدمت ١٥٠ ألف مريض للهند فى العام الماضي، أغلبهم من البلدان العربية.
رابعا: سرعة الانتهاء من إجراءات الحصول على الفيزا للمريض وأسرته، وقد قامت الهند بإصدار فيزا إلكترونية للمرضى تصدر فى يوم واحد وصالحة لمدة ٦ أشهر.
خامسا؛ إنشاء شركات متخصصة لتقديم خدمات للمرضى وأسرهم منذ استقبالهم فى المطارات، واصطحابهم إلى الفنادق، وتوفير مترجم يجيد لغتهم، وإنهاء كل الإجراءات المتعلقة بمعيشتهم خلال تواجدهم بالهند.
سادسا: تكلفة العلاج بالمقارنة بالدول الأخري، وقد قدمت الهند نموذجا رائعا حيث قدمت خدمات مماثلة لأمريكا ونجلترا، وبأسعار تقل عن ٥٠٪ وأحيانا أكثر من ذلك. وكانت هذه التكلفة القليلة مع الجودة العالية من أهم عوامل الجذب للأفراد ولشركات التأمين الحكومية والخاصة لاختيار الهند. ففى عام ٢٠١٥، أصدرت الهند قرابة ربع مليون فيزا للعلاج وحققت دخلا يقدر بثلاثة مليارات دولار، زادت إلى قرابة نصف مليون فيزا فى ٢٠١٧، وحققت دخلا يقدر بسبعة مليارات دولار، وتخطط الهند لتحقيق دخل يعادل ٩ مليارات دولار فى ٢٠٢٠.
ويبقى السؤال الأهم، وهو كيف تنافس مصر بقوة فى اجتذاب السياحة العلاجية؟ والإجابة ببساطة هى الاقتداء بالهند فى توفير العناصر الست سابقة الذكر، وهى ممكنة وسهلة التحقيق وخاصة فى القطاع الخاص المصري.
أتمنى أن تقوم الحكومة المصرية بتشجيع القطاع الخاص المصرى والعربي، والجامعات ووزارة الصحة، والهيئات مثل القوات المسلحة والشرطة وغيرها، بزيادة الاستثمار فى إنشاء المؤسسات الصحية على أحدث مقاييس الجودة العالمية (حاليا يوجد فى مصر ٤ مؤسسات فقط حاصلة على الاعتماد من JCI)، وإنشاء فنادق خمس نجوم بالقرب من هذه المستشفيات،
وأن تستعين بالمصريين والعرب العاملين فى أوروبا وأمريكا (وهم كثر)، وأن تستعين بشركات متخصصة فى التسويق، وأن تسهل إجراءات الحصول على فيزا للعلاج إلكترونيا، وأن تستعين بشركات لاستقبال المرضى وتسكينهم والتحدث معهم بلغتهم، وأن تكون التكلفة معقولة وأقل من مثيلاتها فى البلدان المجاورة. أعتقد أن تحقيق ذلك ليس صعبا ولا مستحيلا.
وفى المنصورة عاصمة الطب فى مصر، على سبيل المثال، يأتينا المرضى من بلدان عربية مجاورة، خاصة فى تخصصات جراحات المسالك البولية وزراعة الكبد، ولكن ينقصنا الكثير لاجتذاب المرضى على المستوى الدولي. فهل يعقل أن يكون عندنا كل هذه المستشفيات الجامعية العظيمة، ولا يكون عندنا فنادق تليق بالإقامة لأسر المرضى؟ وهل يمكن أن نستقبل مرضى الحوادث والطوارئ، فى الوقت الذى تستغرق فيه إجراءات الحصول على الفيزا عدة أسابيع؟
يجب أن نستفيد من خبرات الدول الأخرى، وأن نغير من أنفسنا، إذا أردنا أن يكون لنا نصيب أكبر من تورتة السياحة العلاجية.