تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
اعتاد المرشح على مقعد نقيب الصحفيين أن يمنح المهنة قرصًا مسكنا كى تتحمل المزيد من الآلام والأوجاع لحين من الدهر فى شكل زيادة هزيلة لمبلغ بدل الاطلاع والتكنولوجيا الذى أصبح يمثل الدخل الرئيسى لغالبية العاملين فى مهنة صاحبة الجلالة.
ويبدو أن سياسة إدارات الصحف الحكومية التى استمرت على مدى عقود طويلة منذ بداية الثمانينيات قد آتت أكلها بعد كل تلك السنوات العجاف وأصبحنا الآن نرى أكبر وأعرق المؤسسات الصحفية تعانى من تخمة هائلة فى التخبط الإدارى والترهل الفكرى والتراجع المهني، مما أدى إلى تراكم ديونها التى بلغت المليارات وأصبحت عاجزة فعليا عن الاعتماد على نفسها فى التمويل الذاتي.
وفى الوقت الذى نجد فيه الدولة تعامل صحفييها بمبدأ الكيل بمكيالين، أحدهما للعاملين فى الصحف الحكومية وآخر للعاملين بالصحف الخاصة والحزبية نجد أن جميع دول العالم ما عدا سوريا الشقيقة قد تخلصت من ازدواجية ملكية الصحف باعتبار أن من يملك منحك راتبك- وهو هنا السلطة التنفيذية- ينزع عنك استقلالية الرأى الذى ينتقد هذه السلطة التى تملك أن تمنحك قوتك وراتبك، وهو ما تم التغلب عليه بجعل ملكية الصحف ملكية خاصة، تتمتع بضمانات قانونية تضمنها الدولة دون أن تتدخل فى تعيين رؤساء تحريرها أو رؤساء مجالس إدارتها، ولكنها فى الوقت نفسه تعطيها الفرص المادية كى تزدهر ويصبح لدى العاملين فيها استقلال مادى، مثلهم مثل القضاة وغيرهم؛ حتى يتمكنوا من أداء دورهم الرقابى الأهم، وهو رقابة الرأى العام لأداء السلطات الثلاث، وهو السلطة الأصيلة من بين السلطات جميعا كما يرى ذلك غالبية فقهاء القانون.
ففى ظل تلك الأجواء غير الصحية التى تعانى منها المهنة لم تعد الصحافة المكتوبة- مثلها مثل الإعلام المرئى والمسموع- قادرة على استهلاك المزيد من أقراص المسكنات دون بحث أكيد عن مواطن الخلل ومعالجتها حتى لا تزداد انهيارا وتدهورا.
مهنة الإعلام، والصحافة المكتوبة منها فى القلب، بحاجة ماسة لتعديل الهيكل التنظيمى لها على أسس المساواة بين العاملين فى المهنة الواحدة، خاصة أن الجميع يعمل نفس العمل وفى نفس الظروف المهنية والاجتماعية وإنما تختلف اليافطة التى يكتب تحتها الخبر فقط.
المهنة هى التجسيد الحقيقى للأمن القومى لما لها من قدرة على التأثير فى الرأى العام سلبا أو إيجابا بالقدر الذى يحمى المجتمع من المعلومات المغلوطة التى يمكن أن تهدد أمانه الاجتماعى أو تعزز من درجة الوعى لديه وتساهم فى الحشد المطلوب فى فترة البناء والتطوير.
الإعلام بحاجة إلى رأس يفكر ويدبر لمستقبله فى ظل تحديات صعبة من جانب أشكال جديدة للميديا ساعدت فى انتشارها أجهزة الاتصالات الحديثة وأصبح لبرامج التواصل الاجتماعى القدرة على منافسة بل وهزيمة وسائل الميديا التقليدية المعروفة، والتى توارثناها على مدى عشرات السنين.
المهنة بحاجة إلى انتشالها من براثن الذين استسلموا للوضع المريض واعتادوا أن يمدوا أيديهم آخر كل شهر لوزارة المالية كى تمنحهم رواتبهم بل وأرباحهم!.
فمنحة زيادة البدل وحدها لا يمكنها أن تعين الصحفى على مؤونة الحياة بعد أن تم إفقاره وتجويعه وكسر ظهره بأعباء منعت الشريف منهم عن أداء مهام رسالته على النحو الصحيح وجعلت من فى قلبه مرض انتهازيا ومنافقا لمن يرضى عنه أكثر من غيره من كبار المسئولين بل وحتى صغارهم!.