يرجع تأسيس الحركة الإرهابية السلفية باليمن إلى ثمانينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن شهدت انقسامات عدة وتباينات فى الأفكار والأطروحات، ليظل هذا السجال قائما حتى أثرت الأوضاع المتوترة وحالة الفراغ الأمنى والسياسى الذى شهده اليمن منذ ٢٠١١ على واقع التيار السلفى والفرع الجهادى منه تحديدًا، من حيث الرؤى والمواقف، على مجمل الممارسات، لا سيما بعد أن هيأ المناخ السياسى اليمنى المشحون بيئة خصبة لجذب أجيال من الجماعات الإرهابية الوافدة من مناطق التوتر فى سوريا والعراق.
فى حين دفعت السيطرة الحوثية على العاصمة صنعاء عام ٢٠١٤ إلى اتخاذ الصراع اليمنى منحى طائفيا بعدما كان سياسيا، بينما أدت تطورات الأزمة اليمنية الأخيرة، وما أسفر عن مشاورات ستوكهولم إلى إثارة تساؤل بشأن مستقبل التيارات الإرهابية باليمن.
جذور الإرهاب فى اليمن
ادى انهيار الاتحاد السوفيتى فى تسعينيات القرن الماضى إلى عودة معظم الإرهابيين العرب إلى بلدانهم؛ حيث تنوعت آليات الدول فى التعامل مع تلك الظاهرة ما بين محاولات إعادة دمجهم فى المجتمع مرة أخرى، أو لجوء دول أخرى إلى إيداعهم رهن المعتقلات، وفيما يتعلق باليمن فقد تعامل الرئيس اليمنى السابق، على عبدالله صالح، مع هؤلاء العائدين فى إطار من الاحترازات الأمنية التى اشتدت وطأتها بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر.
وبالفعل فقد شهد اليمن تأسيس أول تنظيم جهادى خلال عام ١٩٩٧ تحت مسمى «جيش عدن أبين الاسلامي» بقيادة أبو حسن المحضار، بعدما أعلن اعترافه «بتنظيم القاعدة».
وقد انخرط المتطرفون فى العمل الإرهابى باليمن منذ عام ١٩٩٢، بشكل غير منظم فى هجمات متوالية ضد الفنادق السياحية، فى حين كانت أبرز العمليات؛ استهداف المدمرة الأمريكية «USS COOL» خلال أكتوبر ٢٠٠٠، والتى أسفرت عن ٤٧ ضحية ما بين وفاة وإصابة، بينما شهد عام ٢٠٠٦ هجمات متنوعة على منشآت نفطية بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية اليمنية خلال سبتمبر ٢٠٠٦، وشكل عام ٢٠٠٩ نقطة تحول بعدما أعلن تنظيم «القاعدة» تشكيل فرع له فى اليمن تحت مسمى «تنظيم قاعدة الجهاد فى جزيرة العرب» واختيار اليمن مقرًا له.
وجدير بالذكر، أن تنظيم «القاعدة» كان موجودًا فعليًا فى اليمن، لكن ضمن سياق اتفاق يتمحور حول غض الطرف عن أنشطة وتحركات التنظيم داخل اليمن مقابل عدم قيام التنظيم بأى عمليات، ويرجع هذا الاتفاق إلى محاولات الرئيس اليمنى السابق، على عبدالله صالح، احتواء عناصر التنظيم وقياداته خلال فترة عودة الإرهابيين الأفغان.
فى حين فشلت تلك المحاولة الاستيعابية فى ظل توالى موجات من هؤلاء اللاجئين بعد انهيار الاتحاد السوفيتى؛ حيث تغيرت عقائدهم بشكل مخالف للموجات السابقة.
أبرز التنظيمات
الإرهابية باليمن
يعتبر اليمن بيئة خصبة لاحتواء التنظيمات الجهادية، وقد كانت الوجهة الأولى للتنظيمات المتطرفة، ولعل أبرز عناصر الجذب تتمثل فى الوضع الديموجرافى اليمنى المهيأ تمامًا لإشعال حالة من اللاستقرار على خلفية الانقسامات القبلية، التى ترسخت جذورها خلال فترة المخلوع على عبدالله صالح؛ حيث دفع النزاع القائم ما بين الجنوبيين والحكومة المركزية إلى توفير بيئة مؤهلة لتوسع أنشطة التنظيمات الإرهابية لا سيما تنظيم «القاعدة».
وعلى الجانب الآخر، تحتل اليمن موقعًا استراتيجيًا ومحوريًا تتهافت عليه القوى الإقليمية والدولية، وهو ما أدى إلى تمويل تلك القوى والتنظيمات الإرهابية بغية إثارة التوترات لإتاحة الفرصة للتدخل من أجل تحقيق مصالحهم بعيدًا عن استقرار الدولة اليمنية.
وعلى الجانب الآخر، يعتبر إفشال المصالح الدينية من قبل التنظيمات الإرهابية هو الهدف الأسمى، وذلك عبر طمس الهوية الإسلامية المعتدلة واستبدالها بأفكار متطرفة، كما تحرص الجماعات على إفساد المصالح السياسية والاقتصادية.
ولعل المحفزات الرئيسية وراء استشراء تلك التنظيمات، ترجع إلى عامل رئيسى وهو وجود حاضنة مجتمعية قبلية لأفكار التنظيم المتطرفة.
وبالحديث عن الوسائل والقنوات التى يعتمد عليها التنظيم فى تمويل عملياته، نجدها مرتكزة على عمليات تهريب النفط بامتداد الساحل الشرقى اليمني، يضاف إلى ذلك الضرائب التى قام التنظيم بفرضها على الشركات المحلية فى المناطق التى يعلن سيطرته عليها بزعم تحسين الخدمات الاجتماعية.
أما عن تنظيم «داعش» فلم يكن له سيطرة تذكر باليمن قبل عقد التحالف بين «الحوثيين» وقوات «صالح» فى سبتمبر ٢٠١٤، وحتى إسقاط العاصمة صنعاء على يد الحوثيين فى نوفمبر ٢٠١٤، وبالرغم من قيامه بعمليات انتحارية واستهدافات لرموز عسكرية فى عدن، إلا أن وجوده ظل لفترة غير واضح المعالم حتى عام ٢٠١٥ الذى اعتبر بمثابة طفرة زمنية شهدها التنظيم فى شبه الجزيرة العربية، بعدما قام باستغلال الفراغات الأمنية فى المدن المحررة جنوب اليمن، ورغم ذلك؛ فإن التنظيم لم ينجح فى أن يكون منافسا بشكل كبير فى اليمن، مقارنة بوضعه فى العراق وسوريا، ويعزز من ضعف تنظيم «داعش» فى اليمن فكرة الانشقاقات التى أصابت صفوف التنظيم فى أواخر ٢٠١٤، وهو ما أدى إلى إضعاف بنيته.
صدامات متكررة
يرجع السجال بين «القاعدة» و«داعش» إلى لحظة إعلان «أبى بكر البغدادي» خليفة للمسلمين؛ حيث أعلن «القاعدة» رفضه لهذا الإعلان، وحينها أكد القيادى بالقاعدة «حارث النظاري» أن تنظيم «داعش» مجرد جماعة مجاهدة، وأن إعلانها الخلافة لم يستوف الشروط اللازمة.
وقد كانت طفرة «داعش» فى اليمن ترجع إلى ٢٠١٥، وانبثقت عنه أفرع جديدة منها تنظيم «ولاية صنعاء»، الذى أعلن مسئولياته عن تفجيرات صنعاء، بينما تبرأت «القاعدة» من هذا الحادث، كما حدثت مواجهات فعلية بين تنظيمى «القاعدة» و«داعش» فى محافظات اليمن الجنوبية، ما يعكس امتلاك كل من التنظيمين لأهداف مختلفة تنصب على مصالح شخصية لقيادات داخل التنظيمين.
وبمقارنة نجاح كل من تنظيمى «القاعدة» و«داعش» باليمن نجد أن الأخير كانت نجاحاته أقل، مقارنة بما تمكنت «القاعدة» من الوصول إليه، وبالرغم من الانقسامات التى أصابت بنية «القاعدة» لصالح ثقل داعش؛ فإنه لم يتمكن من استغلالها واستثمارها بالشكل الأمثل أو حتى الوصول لحد المنافسة مع «القاعدة»، لكن حدث العكس فقد أدى صعود «داعش» إلى صرف اهتمام المجتمع الدولى جزئيا عن تنظيم «القاعدة»، وأصبح الاهتمام منصبًا على تصفية قيادات «داعش»، بل دفعت سمعة «داعش» ومماراساته الوحشية بحق المدنيين فى سوريا والعراق إلى تقييم «القاعدة» باعتباره تنظيما أكثر عقلانية من الأول.
ولعل أبرز الشواهد التى استند إليها المجتمع الدولى فى هذا السياق، ما صدر عن «القاعدة» من بيان يشجب فيه واقعة تفجير المسجد الذى تبناه «داعش» خلال ٢٠١٥ وراح ضحيته ما يقرب من ٥٠٠ شخص.
ومن أهم أسباب فشل «داعش» باليمن عدم تبنيه سردية ثقافية وقيمية يتم بمقتضاها استقطاب القبائل اليمنية بخلاف ما فعلته «القاعدة»، إلى جانب عدم مشاركته فى وضع خطط تنموية وهمية للمناطق التى فرض سيطرته عليها، وعزز من ضعف تواجده أيضا الانقسامات المتوالية فى صفوفه والانتقادات القاسية التى وجهت من قبل هؤلاء المنشقين للتنظيم.
التحالف العربى وتقليص التمدد الجهادى
رغم أن عام ٢٠١٥ شكل طفرة حقيقية فى بزوغ التنظيمات الإرهابية واتساع رقعتها فى اليمن، فإن استراتيجية التحالف العربى فى استهداف مواقع الجهاديين كان لها بالغ الأثر فى تقليص قنوات تمويلهم ووسائل الدعم الخارجية إليهم، ولعل «النخبة الحضرمية» المدعومة من طيران التحالف العربى ومعاركها الحالية ضد «القاعدة» من أبرز الشواهد على ذلك، ففى أبريل ٢٠١٦ تحرك نحو ٢٠٠٠ جندى من تلك النخبة تجاه مدينة المكلا، وتمكنوا حينها من تصفية عناصر «القاعدة» المرتكزة بالمدينة والسيطرة على الميناء والمطار، وعقب ذلك كثفت القوات من تحركاتها عند المداخل الرئيسية للمدينة للقيام بعمليات تطهير وتمشيط لما تبقى من عناصر التنظيم هناك. وتكمن خصوصية معركة المكلا، فى أنها لم تقض على خطر «القاعدة» فى المدينة فحسب، لكنها كانت سببًا مباشرًا فى إجهاض مشروع التنظيم بإقامة إمارة متشددة له هناك كان من الممكن أن تكون مركزا لانطلاق عمليات إرهابية متنوعة إلى الدول المختلفة، فى حين حرص التحالف على تنسيق عملياته وتحركاته سواء الجوية أو البحرية، وأن تكون تلك العمليات فى سياق الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن العالمي، وذلك عبر تنسيق عمليات تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ العمليات المشتركة.
وأخيرًا، نبقى أمام مستقبل التنظيمات الإرهابية فى ظل التطورات اليمنية الأخيرة، لا سيما بعد مشاورات ستوكهولم والهدنة التى بدأ سريانها خلال ديسمبر ٢٠١٨، وكذلك حالة التأهب القصوى لقوات التحالف.
فالمؤشرات العامة تعكس أن التنظيمات الإرهابية فى اليمن ستشهد اندثارا تدريجيا خلال الفترة المقبلة، لا سيما فى ظل الضغوطات التى تعرضت لها التنظيمات خاصة الضربات الأمريكية على معاقل «داعش» فى العراق وسوريا قبل إعلان الانسحاب منها، وهو ما من شأنه التأثير مباشرة على فاعلية التنظيم داخل اليمن.
ومن جانب آخر؛ فإن الضربات التى تلقتها إيران عقب التوقيع على المشاورات الأخيرة كانت دافعًا وراء تراجع التمويل الموجه لبعض التنظيمات «الجهادية»، ويعزز من سيناريو اندثار تلك التيارات، ما انتابها من انشقاقات متوالية فى صفوفها أدت إلى ضعف بنية التنظيمات.