الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فعلها إبراهيم سعدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتفق أو تختلف معه، كان كاتبنا الكبير صاحب قلم رشيق.. صحفيًا حتى النخاع.. مؤمنًا بقيمة المعلومات وأهميتها قبل تناول أى موضوع.. فاهمًا لأصول المهنة.
لم يكن غريبًا أن يصبح "أصغر رئيس تحرير" في عهد السادات، وهو الذى بدا عشقه للمهنة منذ كان طالبًا في المدرسة الثانوية، وظل طوال فترات دراسته يهيم فيها حبًا، حتى عندما ذهب لدراسة الاقتصاد في سويسرا كان حبه قد ملأ قلبه وظل يراسل صحف عديدة حتى آمن بكفاءته مصطفى أمين وقرر تعيينه ليكون أول مراسل لـ"التحقيقات الخارجية".
التقيته ثلاث مرات، منهم مرتان في مكتبه ومرة في إحدى الوزارات.. باسم الوجه دائمًا يشعرك بأنه زميل رغم فارق السن والخبرة، يتعامل بمنتهى الأدب والذوق "اللى في الدنيا".. ولن أنسى نصيحته ما حييت: "الصحفى معلومة.. ابحث عن المعلومات قبل ما تفكر تكتب في أى موضوع".
ولأنه كان عاشقًا متيمًا بالمهنة، فلقد كان جريئًا وواضحًا في آرائه، ووصل به الأمر أن تقدم باستقالته "على الهواء" كما يقولون.. وكتب عموده الشهير الذى تصدر "أخبار اليوم" يوم 18 يونيو 2005 تحت عنوان "الصمت الحكومي.. والصخب الصحفي" فجّر في نهايته مفاجأة كبيرة بتقديم استقالته إلى مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة، الجهة المالكة للمؤسسات الصحفية الحكومية آنذاك، طالبًا قبولها، فكانت استقالته بذلك الشكل، ونقده الضمني لوزير الإعلام أنس الفقي آنذاك، ورئيس مجلس الشورى آنذاك صفوت الشريف، أمراً جديدًا وغريبًا على الأوساط الصحفية والسياسية.. لكنه فعلها على أية حال واستمر يكتب مقاله الأسبوعى فقط تحت عنوان "آخر عمود".
لقد اهتم إبراهيم سعده بأخلاق المهنة إلى أقصى مدى، وعلى سبيل المثال بروى الصديق حسين عبدالقادر أنه أجرى حوارًا مع الموسيقار بليغ حمدى عقب عودته من الخارج بعد إتهامه بقتل المغربية سميرة مليان، وكان الحوار انفرادًا للجريدة وظل إبراهيم سعده ينتظره إلى ان دخل عليه حسين عبدالقادر يعتذر عن عدم كتابته.. فيسأله لماذا؟، فيقول: لأن بليغ حمدى اتصل يرجو عدم نشر اجزاء كثيرة من الحوار لأنها قد تسيىْ لآخرين وتسبب له مشاكل.. وهنا قال له إبراهيم سعده: إذهب واجلس على مكتبك ولا تنصرف حتى تأتيك تعليمات جديدة.. وفوجىء حسين بموظف يسلمه مائتى جنيه مكافأة، فهرول إلى إبراهيم سعدة يفهم ما حدث، وكان الرد: كنت هأصرف لك 100 جنيه عن الانفراد لكنك تستحق الآن الضعف لاحترامك للمصدر وحرصك على خصوصيات قد نكسب من ورائها لكنها تجر المتاعب لصاحبها.
ولعل كثيرين لا يعلمون أن إبراهيم سعده تعرض لصدمة عمره حين توفى إبنه وكان مرتبطًا به بشدة ويعده ليكون صحفيًا، ودخل كاتبنا الكبير يومها في اكتئاب شديد وانعزل عن العالم، لكنه ظل يكتب عموده ولم يتوقف قلمه عن الكتابة رغم كل الحزن الذى يعتريه ويسكن فيه، وظلت صورة ابنه أمامه على مكتبه لفترة طويلة، إلى أن دخلت عليه مجموعة من قيادات وشباب دار أخبار اليوم وناشدوه أن يخفف عن نفسه ويرفع الصورة من فوق المكتب، فرضخ لهم وهو الذى يعتصر ألمًا، فليس هناك أقسى على الإنسان من فقد فلذة كبده، خاصةً إذا كان يعده لدور عظيم.
رحم الله كاتبنا الكبير وتبقى ذكراه بيننا حتى قيام الساعة.