تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يأتى أهمية الطرح الذى قدمه جيمس سميث أستاذ دراسات التنمية فى جامعة إدنبرة، فى كتاب الوقود الحيوى وعولمة المخاطر: التغير الأكبر فى العلاقات بين الشمال والجنوب منذ الاستعمار، والذى نقله إلى العربية، فتح الله الشيخ وأحمد السماحى، والصادر عن المركز القومى للترجمة 2017. فى غضون سنوات قليلة تحول الوقود الحيوى من وجوده تحت نظر رادار التنمية إلى أن يرى كحل متعدد الأغراض لكثير من المشاكل - التغيرات المناخية، وخطر عدم توفر الطاقة، وتخلف المناطق الريفية - إلى أن يمثل كذلك «جريمة ضد البشرية»، وفقًا للمقرر الخاص لحقوق الغذاء بالأمم المتحدة، الذى يرجع ذلك فى الأساس إلى التأثير المتوقع للاستثمار فى إنتاج الوقود الحيوى على المخزون الغذائي، وبالتبعية على أسعار الغذاء العالمية.
وتبين الأرقام من وزارة الزراعة فى الولايات المتحدة لسنة 2009، أن الحبوب المستخدمة لإنتاج الوقود كانت تكفى لتغذية 330 مليون شخص لمدة عام عند مستويات الاستهلاك المتوسط، وفقًا لمعهد سياسات الأرض، ويمثل هذا الرقم ثلث الذين لا يجدون ما يكفى من الطعام بصفة مستمرة، وفى 2007، كانت هناك 27 دولة من بين 50 دولة تم مسحها، قد شرعت بالفعل متطلبات إجبارية لمزج الوقود الحيوى بالوقود التقليدى لوسائل النقل، وقد مررت 40 دولة قوانين لترويج الوقود الحيوى، وفيما بين 2002 و2006 تضاعفت الأراضى المستخدمة لتنمية محاصيل الوقود الحيوى أربع مرات وزاد الإنتاج ثلاث مرات.
وفى مايو 2008، زعم وزير الزراعة فى الولايات المتحدة، أن تحاليلهم قد أظهرت أن إنتاج الوقود الحيوى يسهم فقط بمقدار (2 – 3 %) فى زيادة أسعار الطعام. ومع ذلك فى 2008، طعنت وثيقة للبنك الدولي، على تقرير ميتشل، الذى تسرب إلى صحيفة «الجارديان»، وذلك بحساب أن إنتاج الوقود الحيوى مسئول عن 75% من ارتفاع أسعار الغذاء الأساسى الذى يقدر بـــ 140%، والذى وقع بين 2002 و2008، ولقد قيل إن إنتاج الوقود الحيوى المتزايد قد أدى إلى زيادة الطلب على ما يسمى محاصيل المادة الخام - التى سيتخرج منها الوقود -، والذى أدى بدوره إلى تغير استخدام الأراضى على نطاق واسع على حساب محاصيل مثل القمح للاستهلاك الغذائي، وانتهى التقرير إلى: كان أكثر العوامل تأثيرًا- فى زيادة أسعار الغذاء- هو الزيادة الكبرى فى إنتاج الوقود الحيوى فى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
كان من الممكن دون هذه الزيادة ألا ينخفض إنتاج القمح والذرة الرفيعة على مستوى العالم بشكل كبير، ولا كانت أسعار البذور الزيتية تضاعفت ثلاث مرات، وكانت الزيادة فى الأسعار، نتيجة عوامل أخرى مثل الجفاف، ستصبح زيادة معتدلة، ولا كان حظر التصدير الحديث، ولا كانت النشاطات الاحترازية لتحدث على الأرجح لأنها جميعها جاءت كردود أفعال لارتفاع الأسعار.
يدفعنا تعبير بدينجتون «العاصفة التامة» لنفكر فى المستقبل؛ حيث أصبح عدم الأمان الغذائى ومتطلبات الطاقة والتطور متزايدًا بشكل كبير، وبشكل تنافسى على خلفية عدم تيقن المناخ والبيئة، وفى سنة 2009، نشرت منظمة الغذاء والزراعة، تقريرًا يفيد بأنه لأول مرة يوجد بليون شخص فى العالم يعانون سوء التغذية، ويمثل ذلك زيادة حديثة لها مغزى فى الرقم المستقر لحوالى 800 مليون «فقط» كمعدل على مدى العقدين الماضيين، ومن الواضح بشكل متزايد أن المناخ والغذاء سيصبحان المشكلتين اللتين تؤثران فينا جميعًا، وليست ببساطة المشاكل التى سيكون تأثيرها محدودًا فى عالم الجنوب، وهذا التصور لعولمة المخاطر فيما أطلق عليه بـ«التقليص إلى مجتمع المخاطر».
فالوقود الحيوى مهما كانت فوائده، يعولم المخاطر. فهو قائم على عدم المساواة الموجودة، وينشر المتناقضات القائمة بالفعل، ويستدعى الخبرات الموجودة، ويمد فى عمر أنساق الاستهلاك الموجودة، ويعمل تجمع الوقود الحيوى على استقرار هذه العمليات كتغيرات عقلانية ومرغوب فيها، ويشجع التغيير فى استخدام الأرض وطريقة حياة البعض - عادة فى الجنوب - بينما يعمل على استدامة الظروف التى تولد عدم المساواة، والخبرة، والاقتصاد السياسى فى المقام الأول، وقد سوق الوقود الحيوى على أنه حل متعدد الأغراض للعديد من المشاكل، إلا أنه يمكن للمرء أن يدفع بأن يستخدم الوقود الحيوى ليسوق عدم الاستدامة على أنها استدامة، والتنمية غير العادلة على أنها أمر عارض. ويسأل جيمس سميث: وما الذى سيخبرنا به التطور السريع والمتعارض لتجمعات الوقود الحيوى العالمية حول أفضلياتنا العالمية، وحول إدراكنا للبيئة ورؤيتنا لنوع العالم الذى نفضل أن نعيش فيه؟ هل نكرر نحن ببساطة التاريخ الحديث، بأن نخدع أنفسنا بالاعتقاد بأننا نعد العدة للمستقبل؟ وهل نتقبل غيبة أى حدود للعولمة؟ وفى النهاية، هل نحن راضين عن تحويل المخاطر والمسئولية حول العالم إلى المستقبل دون التفكير فى الواقع فى أكثر التضمينات عمقًا بفعلنا ذلك؟
.. وللحديث بقية