تتابع الأكاديمية «داميسا موبو» الحاصلة على دكتوراه الاقتصاد من جامعة أكسفورد فى كتاب «الغرب من السيطرة إلى التعثر.. خمسون عاما من الحماقة الاقتصادية والخيارات المستقبلية الحتمية» والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة، بقولها: «تناولت إلياذة هوميروس بالوصف وحشين خياليين يقطنان جانبى مضيق مسينا وكاريبديس. صُورت سيلا على أنها وحش له ستة رؤوس محمولة على أعناق طويلة واثنتا عشرة قدمًا، وهى تقطن كهفا عرينها، والتهامهم. وعلى الجانب الآخر من المضيق يقطن كاريبديس الوحش صاحب الثغر الهائل المفتوح الذى يشفط كميات هائلة من المياه ليخلق دوامات خطيرة عن طريق لفظ المياه بقوة على مدار اليوم؛ لذا كان على أوديسيوس أن يقر أى الوحشين عليه أن يواجه عند مروره بالمضيق، فاختار المجازفة بخسارة حفنة من البحارة فقط، وذلك عبر المرور بسيلا بدلا من مواجهة دوامات كاريبديس والمخاطرة بخسارة سفينته بأكملها.
وعلى غرار أوديسيوس، يبدو أن الغرب عليه أن يختار أى الوحشين عليه أن يواجه، لأنه إن لم يفعل شيئًا فسوف يواجه تدهورًا اقتصاديًا سريعًا، وإذا استمر فى انتهاج سياسات خاطئة فسيصبح من الصعب تجنبها، على الرغم من أن بقاءها سيقوده لمزيد من الانهيار الاقتصادى.
وقد أظهرت استطلاعات الرأى التى أجرتها مؤسسة «راسموسن» أن ٣٧٪ من الأمريكيين لا يتوقعون أن تصبح الولايات المتحدة رقم واحد بحلول نهاية العقد، ويرى تقريبا نصف عدد المشاركين فى الاستطلاع (٤٩ ٪ من الأمريكيين) أن أفضل أيام أمريكا كانت فى الماضى، وطبقًا لاستطلاعات الرأى التى أجراها مركز «بيو» لأبحاث الرأى العام والصحابة فى شهر ديسمبر عام ٢٠٠٩ فإن ٢٧٪ من الأمريكيين يرون أن الولايات المتحدة تحتل صدارة القوة الاقتصادية فى العالم إلا أن ٤٤٪ من هؤلاء ممن شاركوا فى استطلاع الرأى يرون أن الصين تحتل هذه المرتبة الآن.
ونظريًا لا بد أن تعم السعادة على العالم بأسره من جراء احتمال تحسن دخول ومعايش مئات الملايين تحسنًا ملحوظًا فى المستقبل، واقترابهم من مستويات هؤلاء فى دول الغرب المتقدم صناعيًا مع الوضع فى الاعتبار أن نمو العالم المستمر يفرض احتمالا بخلق أسواق اقتصادية أكبر وبحدوث تقدم تكنولوجى على نطاق أوسع، وبانخفاض معدلات الفقر العالمى وتوفير فرص معيشية أفضل لشعوب العالم. والمشكلة تكمن فى أنه لا يمكن أن نصبح جميعًا رابحين بالتأكيد، كما أن الحدود والقيود المفروضة على الموارد الطبيعية تذكرنا بأن هذا هو الحال، ولكن إذا ما نحيت الإحصائيات المحيطة جانبا لوهلة سنجد أسبابًا تبقينا متفائلين، فبرغم التخوف من الأزمات المالية فليس بالضرورة أن يكون الغرب هو المتسبب فيها جميعًا.
بالتأكيد تظل الولايات المتحدة أكبر منطقة اقتصادية فى العالم، حيث لا تزال تشكل نحو ٣٠٪ من إجمالى الناتج المحلى العالمى، وهذا يعنى أنها تنطلق من موقع قوى نسبيا. فهى تظل المُصنع الأكبر والقبلة التى تحتضن أفضل جامعات العالم التى لها ثقلها، كما أنها الأكثر تنافسا على الصعيد الاقتصادى وتأتى فى الطليعة فى إدرار الأرباح. هذا إضافة إلى أن مؤسساتها لا تزال تحتل الصدارة من حيث الشفافية والمصداقية، وفيما يتعلق بدور القانون على الرغم من افتقاره للمثالية، فإنها تظل واحدة من الدول الرائدة فى العالم، وبالنسبة للملايين فإن مجموعة الفرص المتاحة تظل الأفضل فى الغرب، فهو لا يزال يقدم أفضل مستويات للمعيشة لمواطنيه حتى فى المناطق ذات الكثافات السكانية المرتفعة مثل نيويورك أو لندن أو باريس، وعليه يمكننا القول: «إن مكانا مثل أمريكا كما يقال يظل من أفضل الأماكن، من جميع النواحى، التى فاضت عليه الطبيعة بالكثير، وذلك فيما يتعلق بالموارد الطبيعية».
بلا شك بدأت الدول الصاعدة فى الاقتراب من الاقتصاديات الأكثر ثراء، وتوقع كل من ميريل لينش وكاب جيمينى، أن تتخطى آسيا الواقعة فى منطقة المحيط الهادى أمريكا الشمالية؛ حيث سيصبح فيها أكبر تركز لتجمع الأثرياء فى العالم. ومن المعروف أن الدول الصاعدة عليها التغلب على العديد من المشاكل لتحقيق التفوق الاقتصادى، فمدنهم تكتظ بسكانها وبنيتهم التحتية تتهاوى والتلوث يخنقهم هذا إضافة للفجوة التى خلقها التوزيع غير العادل للدخول، والأمراض التى أنهكت قواهم فضلًا عن التذبذب السياسى، فهذا كله يزيد من مشاكلهم.
ويتوقع الباحثون البريطانيون أن الطلب سيتزايد على الطاقة العالمية بواقع ٥٠٪ بحلول عام ٢٠٣٠م، كما أن تزايد الضغط على موارد الطاقة بات أمرًا من الأمور المتعارف عليها، أما أوروبا فتستورد بالفعل ٣٠٪ من الغاز الخاص بها من روسيا، لاستنزافها الكثير من مواردها، واليوم، تستخدم الولايات المتحدة ٢٥٪ من الطاقة العالمية، مع تعداد سكانى يمثل ٥٪ فقط من التعداد السكانى العالمى.
وللحديث بقية