الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حتى نستكمل المشوار سويًا..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أيام أعلن الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم أمام البرلمان، تدشين ما أسماه بـ «وقف مصرى لخدمة التعليم» خلال الشهر الجاري، وأوضح أن الوقف سيستخدم لتحسين رواتب المعلمين، وللإنفاق على متطلبات عملية التطوير.
حتى الآن لا توجد معلومات كافية حول طبيعة وشكل وملامح هذا الوقف وطريقة إدارته، غير أن المعروف أن فكرة الوقف تقوم على تخصيص أرباح وعائدات مشروع أرض زراعية أو أى مشروع إنتاجى للإنفاق على مجال بعينه.
وأظن أن مبادرة كهذه تستطيع جذب ملايين المصريين للمشاركة بتبرعاتهم للاستثمار فى تنمية هذا الوقف، ومن ثم تعظيم عائداته وأرباحه من أجل تمويل استراتيجية الدولة لتطوير التعليم بشكل مستدام.
مثل هذه الأفكار والمبادرات تجعل المواطن يشعر بأنه شريك فى عملية البناء وليس مجرد مستقبل لما تنجزه الحكومة أو ما تقوم به من تطوير فى مجال الخدمات العامة؛ وأتصور أنها الأجدى من تحميل فئة واحدة عبء الإنفاق على هذا المشروع أو ذاك.
وقد يكون من المناسب التفكير فى آليات تطوير هذا الوقف، وحث المصريين للمشاركة فيه لتمويل بناء 250 ألف فصل بدلًا من اللجوء إلى إجراء وقف صرف العلاوة السنوية لموظفى الدولة؛ ذلك أن خطوة من هذا النوع يعطى انطباعا أن فئة واحدة من المجتمع هى التى ستتحمل هذا العبء دون مشاركة من باقى الفئات، وفى مقدمتها رجال الأعمال الذين تتحاشى الحكومة الاقتراب منهم سواء بفرض ضريبة تصاعدية أو حتى بسن تشريع لتحديد هامش الربح على جميع السلع كما هو معمول به فى الدول الرأسمالية.
علاوة على ذلك يتزامن صرف العلاوة السنوية مع موعد رفع أسعار الطاقة وفواتير المياه، وما يستتبع ذلك من رفع تلقائى لأسعار كل السلع.
التكلفة السياسية لوقف العلاوة الدورية للموظفين ستكون فادحة وأكبر بكثير مما ستوفره الحكومة من أموال، وستمتد آثارها الجانبية إلى باقى الفئات والشرائح، وأخطر تلك الآثار تصدع جدار الثقة بين المواطنين والدولة ومؤسساتها الرئيسية.
كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام منتدى شباب العالم فى شرم الشيخ الأفكار والمبادرات هى كل ما نملك، وقد تنجح فى صناعة مستقبل أفضل إذا نجحنا فى ترجمتها إلى واقع ملموس، والحكومة أول المدعوين لابتكار الأفكار والمبادرات التى تعالج فقرها المالى من أجل إنجاز خططها وبرامجها بدون أن تحمل المواطن المزيد من الأعباء؛ فيكفيه إجراءات الإصلاح الاقتصادى التى نؤمن بضرورتها وجدواها؛ فقد نحتاج إلى مبادرات مماثلة لتمويل خدمات الصحة والتدريب والتأهيل المهني، ونشر الثقافة والفنون بكل صورها. 
لم يكد يمر أسبوع على اقتراح إلغاء العلاوة حتى خرج الدكتور طارق شوقى وزير التعليم على المصريين مطالبًا بفتح نقاش حول مجانية التعليم المنصوص عليها فى الدستور، وفى الوقت ذاته تحدث وزير النقل والمواصلات هشام عرفات عن التكلفة الحقيقية لتذكرة مترو الأنفاق، التى تصل لـ 25 جنيهًا وضرورة رفع قيمتها.
وكأن الحكومة تتعامل مع شعب كل أفراده من الأغنياء، ووحدها من يعانى الفقر ويحتاج الدعم.
نعم نحن دولة فقيرة كما قال الرئيس فى غير مناسبة، وتسعى لتنمية مواردها عبر برنامج إصلاح اقتصادى ومشروعات بنية أساسية كبرى، وإصلاحات تشريعية لتحسين بيئة الاستثمار، وخلق مجتمع منتج، ولكننا أيضًا أمام شعب فقير وافق ودعم كل تلك الخطوات وتحمل راضيًا آثارها السلبية، غير أنه يحتاج أيضًا إلى مساحة يستطيع التنفس خلالها حتى يواصل رحلة البناء، وألا يتحول صبره إلى تذمر وأمله إلى إحباط.
وفقًا لأحدث بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء هناك 28 مليون مصرى يعانون الفقر بنسبة 27.8٪ و11 مليونًا ينفقون 4 آلاف جنيه فى السنة بمعدل 330 جنيهًا شهريًا، ولا يستطيعون إيفاء احتياجاتهم الأساسية، وطبقًا لمؤشرات الجهاز بلغ معدل التضخم لهذا الشهر 17%؛ ما يعنى أن نيران الأسعار التى تستعر يومًا بعد يوم تلتهم فى كل لحظة شرائح جديدة من الطبقة المتوسطة لتضمهم إلى قائمة الفقراء.
الواقع يقول أيضًا إنه رغم انخفاض معدلات البطالة من إلى 9،8% بسبب فرص العمل التى أتاحتها المشروعات القومية الكبرى إلا أن سوق العمل فى مصر لا تزال عاجزة عن استيعاب النسبة الأكبر من الأيدى العاملة، كما أن معدلات الأجور سواء فى الحكومة أو القطاع الخاص لا تزال منخفضة أمام عدم استقرار الأسعار، والسبب ببساطة هو أننا لم ندخل بعد عصر الاقتصاد المنتج.
أمام هذه الحقائق ليس من المقبول مجرد الحديث عن فتح ملف مجانية التعليم بمنطق الدفع مقابل تقديم الخدمة؛ وصحيح أن المصريين يدفعون المليارات سنويًا لقاء خدمة الدروس الخصوصية غير القانونية؛ ما يعنى تفريغ مجانية التعليم من مضمونها، ومع ذلك هناك أيضا ملايين المصريين الذين يعتمدون على التعليم الحكومى بشكل أساسى، ويعانون الأمرين لمعالجة عجز الوزارة عن إلزام مدرسيها بالشرح داخل الفصول، وارتفاع أسعار الدروس الخصوصية ويدفعون أبناءهم للاعتماد على ذواتهم، ومنهم يخرج أوائل الثانوية العامة.
بمعنى آخر على وزير التعليم بحث آلية عودة المدرسة لأداء دورها التربوى والتعليمى على الشكل الأمثل، وبعد ذلك نفتح ملف مناقشة مفهوم المجانية، وقد نقترح آنذاك زيادة مصاريف المدارس الحكومية طبقًا لشرائح الدخل لكن بمراعاة معدلات التضخم، وأوضاع الاقتصاد بشكل عام.
بالمثل يصعب تقبل حديث وزير النقل عن رفع تذاكر مترو الأنفاق مرة أخرى بينما يعانى 18% من سكان القاهرة الفقر، والأجور لا تزال تراوح مكانها بل إن قيمتها انخفضت بنسب كبيرة خلال الشهور الستة الماضية أمام معدلات التضخم المتزايدة، إضافة إلى أنها ستحرم من علاوة العام المالى المقبل.
إطلاق مثل هذه التصريحات تضع المواطن تحت ضغط عصبى وتجعله فى حالة ترقب دائم واستفزاز متصاعد يدفعه دفعًا إلى التخلى عن صبره وتفقده أى قدرة على التحمل ما بالك لو تحولت إلى قرارات تنفيذية.
ليس ما يمنع من زيادة الأعباء على المواطنين ولكن على أن تأتى مواكبة لتحسن الأوضاع الاقتصادية من استقرار للأسعار وانخفاض فى معدلات التضخم وتوفير فرص العمل وقدرة الحكومة والقطاع الخاص على وضع أجور عادلة.