الكثيرون من أبناء جيلي في"روزاليوسف"سيظلون طوال عمرهم يدينون له بالفضل، وسنظل نُدين له بمساحات واسعة من الود والمحبة، فهو بالنسبة لنا الصنايعي الذي شرَّبنا الحِرفة وقت أن كنا "بِلْية" في ورشة تحرير روزا، راغبين في احتراف الشُغلانة التي هي عندنا الحياة وعنده أيضا.
غير كاذب عندما أقول أنه كبيرنا الذي علمنا السحر عندما كان هو مدير تحرير سحرة جريدة ومجلة روزا ، في وقت كان فيه الفرعون كبير السحرة رئيسنا الراحل العظيم -عبد الله كمال- غير مبالغا عندما أقول أنني كنت أحلم أن يناديني، وأكون في قمة سعادتي المهنية عندما يثني علي عمل صحفي لي قد نُشر.
كاشفا للمرة الأولي عن غُصة في نفسي لا يعلمها غيري من عدم العمل تحت فكره في الفضائيات، ربما يرجع لعدم سعيي أو عدم قناعته وإقتناعه بقدراتي، لكنها الحياة !غير أنني أعتبر عدم الكتابة عنه في الوقت الحالي بعد قرار اعتزاله انتقاصا من قدره، وتقليلا من تأثيره، فهو لاعب أساسي في الإعلام الناجح، في وقت كان فيه من يعتبرون أنفسهم شيوخا يجلسون متفرجين أمام إنجازاته وإبداعاته.
فالصحفي والإعلامي محمد هاني رئيس قنوات "سي بي سي" مدير تحرير روزاليوسف الأسبق ، قرر أن يحول [مسدس صوت] الرصاصة الحية للإعلام إلي [كاتم صوت] باعتزاله العمل التليفزيوني، معتبرا أنه قدم أفضل ما أمكنه في هذا المجال طوال 24 عامًا على مستوى التأسيس والقيادة في الكيانات والمؤسسات التليفزيونية التي عمل بها، خاتما حديثه بأنه يأمل حاليًا في أن يقدم إسهاما له قيمة في مجال صناعة الإبداع الفني.
"محمد هاني" واحد من أبرز الأسماء اللامعة التي مرت على الصنعة في العقدين الأخيرين، من عمل معه فاز! ومن لم يعمل معه خسر دُنيا المهنية والإحترافية الإعلامية وما فيها ! فالعاملين في مجال الإعلام يَنْعتونه ب" الأسطى" وتُشير إليه صفوة الإعلاميين والمذيعين بـ"الصنايعي" وتُلقبه النخبة الصحفية بـ"ابن الكار الجدع "
"هاني" يعمل خلف الستائر، يُكافح ليصنع تلميذا نجيبا، يُعافر ليخرج مذيعا أو صحفيا، يُناضل لينتج معدا محترفا، يُقاوم قلة الإمكانيات بكثرة الأفكار، يَصنع من القوة البشرية العاملة معه [كتيبة صاعقة ]إعلامية تأكل الأخضر واليابس لنجاح المنصة التي يقف علي عتبتها،ولكنه لا يُعارك لكي يعرفه المشاهد، كونه يعشق اللعب من وراء الكواليس كأنه رحمى محرك العرائس.
أحد أبرز الأسماء الساطعة في فن صناعة المحتوي يغادر في عز عطائه بعدما نَقَشَ بصماته على مجموعة قنوات ال "cbc" وجعلها ماركة إعلامية تتمايز وتختلف عن الأخرين بالمحتوى والنوعية،فأصبحت المحطة الأكثر إستقرارًا والشاشة الأوفر تواجدًا داخل البيوت، وقبلها كان قد أطلق رصاصة غادرة في صدر التليفزيون المصري بعد قرار رحيله من رئاسة تحرير برنامج "البيت بيتك" الأشهر في تاريخ التوك شو والذي وضعه في بؤرة المنافسة مع برامج أخري، قد سحبت بساط المشاهد بعيدا عن تليفزيون الدولة الذي أخرجه "هاني" من الشرنقة ، ليناطح سحاب " العاشرة مساءا .. والحياة اليوم .. و90 دقيقة.. القاهرة اليوم"
رحيل [الأستاذ هاني] هو رحيل بطعم العلقم للإعلام الذي في أمس الحاجة إلي أمثاله –وهم نُدرة- فالإعلام التقليدي يزداد غموض مستقبله يوماً بعد الآخر بعدما فقدت المهنة أُسْطَواتها، و[خزائن] أسرار استمراره-أي الإعلام التقليدي- في المنافسة مع عشرات التطبيقات التي تزاحم الساحة يومياً مثل «أمازون» و«يوتيوب». و«واتساب»و«سناب شات» و«تويتر»و«فيسبوك» ربما لم تجد من يدخل [رقمها السري] بعد اعتزاله.