رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

آليات ممارسة العنف الرمزي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت قضايا المرأة تحولات مهمة ظهرت فى كفاحها من أجل الحصول على حقوقها ومساواتها بالرجل ومشاركتها إياه فى الحياة العامة، ليس على مستوى العالم الغربى فحسب؛ وإنما على مستوى العالم كله. فالمرأة – منذ فجر التاريخ – ضحية النظام الأبوى الذى سَنَّ أعرافًا وتقاليد جعلتها أدنى من الرجل، وهو اضطهاد أساسى لم يكن بسبب العامل البيولوجى أو الدينى أو النفسى؛ وإنما بسبب القيم الذكورية المسيطرة التى لم تعترف بالمرأة بوصفها كائنًا بشريًا.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما عانته شعوب العالم من ويلات مدمرة راح ضحيتها الملايين من البشر، ووجد واضِعو ميثاق الأمم المتحدة ضرورة أن تقوم المنظمة بدور فعَّال فى رفع مستوى المرأة والعمل على حماية حقوقها؛ فعملت على تثبيت حقوق المرأة فى العديد من الإعلانات والبيانات والاتفاقيات التى تولت إعدادها وعقدها.
وكان باكورة عملها هو الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عام ١٩٤٧م، الذى نص على: «إن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة فى الإعلان، دونما تمييز من أى نوع، ولا سيما التمييز بسبب الجنس»، وأصدرت الأمم المتحدة العديد من الإعلانات والتوصيات فى مجال حقوق المرأة وتولت عقد العديد من الاتفاقيات بهذا الخصوص. 
كما اعتمدت الأمم المتحدة إعلان القضاء على «العنف ضد المرأة» دون تصويب، وذلك فى قرارها (١٠٤/٤٨) المؤرخ فى ٢٠ ديسمبر ١٩٩٣م؛ ووَرَدَ فيه الاعتراف بالحاجة الملحة للتطبيق الشامل على المرأة من حقوقٍ ومبادِئ تتعلق بالمساواة والأمن والحرية والنزاهة والكرامة لجميع البشر. لقد أقرت الأمم المتحدة أن «العنف ضد المرأة» يمثل عقبة أمام تحقيق المساواة والتنمية والسلم، على النحو المسلم به فى استراتيجيات «نيروبي» للنهوض بالمرأة، التى أوصى فيها بمجموعة من التدابير لمكافحة «العنف ضد المرأة»، وأمام التنفيذ التام لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. 
إن «العنف ضد المرأة» هو مظهر لعلاقات قوى غير متكافئة بين الرجل والمرأة عبر التاريخ، أدت إلى هيمنة الرجل على المرأة وممارسته التمييز ضدها والحيلولة دون نهوضها الكامل؛ بمعنى أن «العنف ضد المرأة» هو من الآليات الاجتماعية الحاسمة التى تفرض بها على المرأة وضعية التبعية للرجل. ومن الملاحظ أن بعض فئات النساء، كالنساء المنتميات إلى الأقليات، والنساء اللاجئات، والمهاجرات، والمقيمات فى المجتمعات الريفية أو النائية، والمعوزات، ونزيلات المؤسسات الإصلاحية أو السجون، والمعوقات والمُسنَّات، والمقيمات فى أجواء النزاعات المسلحة...هى فئات شديدة الضعف فى مواجهة العنف. كل ذلك يشير إلى نتيجة مهمة هي، أن «العنف ضد المرأة» – سواء فى الأسرة أو فى المجتمع – ظاهرة منتشرة تتخطى حدود الطبقة والثقافة، ويجب أن تقابل بخطوات حاسمة وفعالة تمنع حدوثه. 
وفى ضوء ما تقدم، فإن هناك حاجة إلى تعريف واضح شامل «للعنف ضد المرأة»، وبيان واضح للحقوق التى ينبغى تطبيقها لتأمين القضاء على هذا العنف بجميع أشكاله. فقد صدر رسميًا الإعلان بشأن القضاء على «العنف ضد المرأة» وتحث على بذل كل الجهد من أجل إشهاره والتقيد به. ويعنى مصطلح «العنف ضد المرأة»: «أى فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة – من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية – بما فى ذلك التهديد بالإكراه أو الحرمان التعسفى من الحرية سواء حدث ذلك فى الحياة العامة أو الخاصة». 
ويشمل «العنف ضد المرأة»، العنف البدنى والجنسى والنفسى الذى يحدث فى إطار الأسرة، بما فى ذلك الضرب والتعدى الجنسى على أطفال الأسرة الإناث، والعنف المتصل بالمهر، واغتصاب الزوجة، وختان الإناث وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة، والعنف المرتبط بالاستغلال. كما يشمل هذا العنف ما يحدث فى إطار المجتمع العام، بما فى ذلك الاغتصاب والتعدى الجنسى والمضايقة الجنسية والتخويف فى مكان العمل، وفى المؤسسات التعليمية وأى مكان آخر؛ والاتجار بالنساء وإجبارهن على البغاء. 
ويتضح مما سبق، أن العادات والتقاليد تلعب دورًا مهمًا فى تكريس «العنف ضد المرأة»، وهى تقوى أحيانًا حتى على الدين والقانون معًا، كتزويج الطفلة دون رضاها، وحرمان المرأة من الإرث فى الريف وحرمانها من الحق والتصرف فى أموالها. وقد أسهمت الحركات الأصولية المتشددة، التى تسارع امتدادها فى مجتمعاتنا العربية فى العقود الثلاثة الأخيرة، فى انحصار الأفكار التنويرية لصالح الأفكار السلفية المتزمتة، ما انعكس سلبيًا على واقع المرأة.