التقطت كاميرات المصورين فيديوهات تناولتها السوشيال ميديا، لمجموعة من الطلاب والطالبات داخل المدارس في حالة هستيرية من الرعب والفزع، فمنهم من يهرول في فناء المدرسة وأمام ممرات الفصول، وآخرون يتسلقون البوابات والمواسير والأعمدة، وتسمع أصوات أولياء أمورهم وهم يصرخون بصوت عال "يلّا.. برافوا.. هتوصل.. ربنا معاك" فتتوقع أن "الفك المفترس" قد هاجمهم، أو أن ثعبانا بحجم 35 قدما اقترب منهم، أو أن أرواحا شريرة قد اقتحمت المدرسة، أو أن آكلي لحوم البشر قد داهموهم، إلا أنه قد يذهلك في نهاية الفيديو أن تعرف أن سيناريو المشاهد السالفة للتسابق على الجلوس على التختة الأولى، فيختلط الواقع تماما مع تصوراتك وخيالك وأحلامك.
لقد وصل بنا الحال إلى عمل عضوية لأولادنا بالاتحاد الدولي لمصارعة التختة للفوز بجائزة الجلوس عليها في الصف الأول من "الكلاس" واعتبرها بعض أولياء الأمور رياضة جديدة يتدرب عليها الأبناء طوال الإجازة الصيفية داخل "نادي الأسرة للألعاب القتالية" بجانب ألعاب السباحة وكرة القدم والجمباز بالنوادي العامة، بإعداد وتدريبات جيدة تملأ عقل الطلاب بأن اللحاق بركب "المقعد الأول" هو "الجرين كارد" للتفوق وما عداه يعتبر فشلا ذريعا سيعاقب عليه الطالب.
فمن أجل "التختة الأولى" يهون كل شيء، سقوط الابن مغشيا عليه، إصابته بعاهة مستديمة، تقطيع ملابسه، كسر ضلوعه، تورم وسجحات وخدوش، المهم أن يسأل ولي الأمر ابنه بعد انتهاء أول يوم دراسي "طمني قعدت في الأول" فإذا كانت الإجابة [نعم] فترى وجوه يومئذ ناضرة مسفرة، وإذا كانت بـ [لا] فالوجوه عليها غبرة.
وتضعف مناعة الآباء الصحية عندما تضعف وسطاتهم في جلوس ابنهم علي الديسك الأول، ويفقد أولياء الأمور شهيتهم في مساعدة مجلس أمناء المدرسة أو المساهمة في حل المشاكل العالقة داخل المدرسة عندما يعجز أبناؤهم في الجلوس في الصفوف الأولى.
في الخارج أصحاب التختة الأولى هم ضعاف البصر أو السمع أو أصحاب القامات القصيرة أو المصابون بتشتت الانتباه وفرط الحركة، أو هؤلاء التلاميذ –البلداء أو متوسطي المستوى- الذين لا يستجيبون مع دروسهم ومعلميهم فيجلسون في الصفوف الأولى ليكونوا تحت الأعين، لكن عندنا محجوزة للفتوات أو أصحاب الوساطات أو أبناء المعلمين أو أقاربهم.
منطق غريب أن تكون التختة الأولى إدمان أو حلم، لدرجة أن يُسوّد أول يوم دراسي سجل الانصراف من المدرسة [إلى] الدار الآخرة، ويتحول فرح الذهاب للمدرسة إلي حزن الرحيل للقبر، بوفاة التلميذ "إبراهيم محمد عبد ربه" بالصف الثالث الابتدائي بمدرسة الزهراء الابتدائية التابعة لإدارة بلقاس التعليمية، حيث وقع على الأرض نتيجة تدافع زملاؤه لحجز التختة الأولي –هكذا تردد-
لقد سمعنا من وزير التربية والتعليم طارق شوقي برقية عزاء، لكننا ننتظر أن نسمع كيف سيتجنب العام القادم أن يرسل برقية عزاء جديدة، ولو بحملة توعوية أو بكتاب دوري ينظم ترتيب الجلوس داخل الفصول طبقا للأولويات، أملا أن نقدم العام المقبل واجب العزاء في التختة الأولى بدلا من الطلاب.